من الطبيعي أن يكون الشخص السوي معتدًا بنفسه، رافضًا الإهانة أو الإذلال أو التعذيب؛ أما من يستكين ويتلذذ بتعرضه للإهانة بشتى ألوانها؛ فهو يعاني من اضطراب نفسي يطلق عليه مصطلح ماسوشية، وهذا ما نحن بصدد التحدث عنه والغوص في طياته؛ كي نكشف لك كافة ما يتعلق بهذا الخلل النفسي الذي قد يودي بحياة صاحبه أو إلحاق الضرر به في كثيرٍ من الأحيان.
ما هو اضطراب ماشوسية؟
عند سماع مصطلح ماشوسية، قد يجده البعض غريبًا؛ لأنه معروف بعدة مفاهيم أخرى ومن بينها المازوكية، المازوخية أو الخضوعية والتي تعني جميعها التلذذ بتلقي التعذيب النفسي أو الجسدي، ويرجع تسميته إلى الكاتب النمساوي “فون زاخر مازوخ” صاحب رواية فينوس في الفراء، والتي تشمل فحواها ويتسلط الضوء بها على الانحرافات الجنسية المعتمدة على التعذيب والألم، إذ لا يتمكن الشخص المضطرب من بلوغ لذته إلا بعد تعرضه للإهانة والضرب من قبل الطرف الآخر؛ ومن الجدير بالذكر أن حدة التعذيب الذي يتلقاه الشخص الماسوشي؛ كي يبلغ إثارته الجنسية تختلف من حيث الشدة من شخص لآخر.
في بعض الحالات لا يجد المريض متعته إلا بتعذيب مميت قد يودي بحياته، وذكرنا سابقًا أن حب تعذيب الذات له عدة مستويات مختلفة الشدة؛ لكنه أيضًا يمتلك العديد من الأشكال والمراحل فمنها المراحل المتقدمة، والمتطورة والمرضية، وللعلم أن البشر عامةً لديهم صفة الماسوشي، ولكن بدرجات متفاوتة لا يمكن تداركها والشعور بها؛ ومنها على سبيل المثال: حب مشاهدة أفلام الرعب والعنف؛ إذ تعد هذه الهواية فئة من ترهيب النفس وتعذيبها وكذلك الأفلام الدرامية بالغة الأسى، ولكن يصنف الأطباء هذه العادات بأنها مجرد أمور طبيعية لا بأس بها.
اقرأ أيضًا: مراحل الصدمة النفسية والطرق الصحيحة للتعامل معها
أسباب اضطراب ماسوشية
لم يصل علماء علم النفس إلى أسباب واضحة ومؤكدة حول حقيقة الإصابة بالمازوخية، لكن افترض البعض عدة نظريات؛ والتي تأتي منسدلة في السطور التالية:
العنف الأسري
يرجع حب تعذيب النفس في بعض الأحيان إلى المراحل المبكرة في حياة الشخص المازوخي، حيث الحوادث المتكررة من العنف الأسري وخاصةً تجاه الذكور من خلال الأم التي تقوم بشكل دائم بتعنيف طفلها وإهانته وإجباره على تنفيذ بعض الأمور دون رغبته، مما يترتب عليه عدم قدرته على التعبير عن ذاته، بالإضافة إلى انحباس شخصيته بداخله؛ فلا يجد سبيل لمتعته سوى التعرض للإهانة والتعنيف.
من صور العنف الأسري الأخرى هي تعرض الزوجة لسوء معاملة من قبل الزوج أمام أطفالها؛ مما يجعلهم يميلون دائمًا لتقمص الشخصية الضعيفة التي تتسم بها الأم، بجانب التفنن في طرق تعذيب الذات؛ بهدف التخلص من تأنيب الضمير والقلق المستمر.
الحوادث الجنسية
قد ينشأ هذا الاضطراب كنتيجة للتعرض لحادثة جنسية مثل الاغتصاب، أو التحرش، أو رؤية الأفلام الإباحية؛ والتي تعد السبب الأساسي في انتشار المازوخية، ويجدر الإشارة أن الأنثى هي الأكثر تأثرًا بالحوادث الجنسية؛ نتيجة لشعورها بأنها السبب في حدوث التحرش أو الاغتصاب؛ فنجدها تعلن انسحابها وتستمر بإيلام نفسها على ما حدث.
اقرأ أيضًا: كيفية حجب المواقع الاباحية
التخيلات الجنسية الشاذة
في بعض الحالات قد تتولد المازوخية؛ نتيجة لبعض الأفكار والتخيلات الجنسية الشاذة والممنوعة، التي من المفترض أن تكبحها النفس لكونها محرمة وغير مصرح بها، لكن مع مرور الوقت تصير أكثر إلحاحًا؛ إذا قام الشخص المضطرب بممارستها ونتج عنها متعة ولذة؛ ومن ثم تصبح بعد ذلك عادة وإدمانا لا يمكن التخلي عنها إطلاقًا.
الهروب من الواقع
تتخذ بعض الحالات حب تعذيب الذات كنوع من أنواع الهروب من الواقع الذي يعيش فيه، عن طريق تطبيق معتقداته وسلوكياته الغريبة مع أشخاص مختلفين وجدد.
اقرأ أيضًا: كيف تتحرر من آثار الصدمة النفسية على الجسم؟
أعراض اضطراب ماسوشية
غالبًا ما تبدأ معاناة هذه الشخصية من مرحلة الطفولة أو المراهقة، وقد تزداد درجة هذه الصفة أو تقل تبعًا لحالته النفسية، وعادةً ما تصدر من هذه الشخصية ردود أفعال مختلفة مقارنةً بالشخص الطبيعي؛ إذ يتفاعل باكتئاب مع المواقف الإيجابية والسعيدة، مما يثير غضب الآخرين ويتسبب في سوء تعاملهم معه، بخلاف السابق دائمًا تتمحور رغبة هذه الشخصية في إيذاء نفسها وإلحاق الضرر بها، كما أنه يصر على محاصرته بدائرة من التعذيب والإذلال النفسي؛ لأنه يجد في ذلك ضالته ومتعته؛ ومن أبرز ما تتسم به هذه الشخصية:
- كثرة النقد للذات.
- حب الاستمرار في العلاقات المؤذية نفسيًا وجسديًا.
- البعد التام عن الأشخاص المحسنة إليهم، والذين يحاولون تقديم الدعم لهم.
- لا يتمكن الماسوشي من قضاء أوقات ممتعة.
- سريعًا ما ينهي الصداقات على أبسط الأسباب.
- يظهر التسامح والعفو مع الشخصيات المؤذية والمسيطرة بشكل مفرط وزائد عن الحد.
- يرفض الدفاع عن ذاته بشدة؛ لأنه يرى أن تعرضه للإهانة أمر طبيعي.
- كثير الحجج والمبررات بدون أي داعٍ وسبب واضح.
- التوجه لتناول الكحول و المخدرات؛ كي يؤذي نفسه.
- التهام الأكل بشراهة إلى أن يشعر بالألم.
- التهرب من إتمام المهام والأهداف الشخصية على الرغم من قدرة الماسوشي على تحقيق ذلك.
- بخصوص المستقبل؛ فهو شخص كثير الإحباط واليأس.
تشخيص اضطراب ماسوشية
يعد تشخيص هذا النوع من الاضطراب النفسي أمرًا يسيرًا مقارنةً بغيره من الاضطرابات الشخصية؛ إذ يتوقف تشخيصها على ظهور بعض الصفات التي تبدو شاذة وغير مألوفة بالنسبة للشخص السوي، ولكن يجدر التنويه إلى الصفات التالية لا بد وأن تكون مرافقة للشخص المضطرب منذ الطفولة، أي أنها ليست مستجدة أو مؤقتة؛ نتيجة لاعتداء أو مشكلة حديثة الوقوع:
- المبالغة في صرف الأموال عن عمد.
- محاولة تكوين صداقات مع أشخاص تلحقه الأذى والسوء.
- التهرب من المسؤوليات.
- وضع أولويات الآخرين فوق أولوياته بنفس راضية.
- التفنن في كيد الآخرين وإثارة غضبهم؛ بهدف تلقي الإهانة والعقاب من قبلهم.
- مقابلة النقاط الإيجابية والإجازات بتأنيب الضمير.
علاج اضطراب ماسوشية
في السطور القلائل التالية سوف نتطرق إلى الطرق المختلفة لعلاج اضطراب المازوخية؛ بهدف إنقاذ هذا المضطرب من حبه الدائم للهزيمة والتعنيف وتأنيب الضمير، مما يترتب عليه حمايته من العديد من المضاعفات النفسية والجسدية، وبخلاف أنها تحمي المضطرب نفسه، إلا أنها تحمي أيضًا المجتمع بأكمله من الانحلال والتفكك؛ نظرًا لتناقل اضطراب المازوخية من النوع الجنسي عبر الأجيال
العلاج النفسي المعرفي
يعتمد هذا النوع من العلاج على توجيه الشخص المضطرب على كافة سمات الشخصية المازوكية؛ كي يستدل منها على معاناته من خطبٍ ما؛ ومن ثم تعريفه وتنبيهه بالمخاطر المعرض لها نتيجة مرضه وحب تلقي التعذيب.
العلاج السلوكي
هو العلاج الذي يسعى إلى مساعدة المضطرب على ضبط سلوكه، وتقنين الأفكار والخيالات التي تراوده، مما يساهم في كبح الصوت الداخلي الذي يجبره على التعرض للإذلال، والدخول في علاقات مرهقة مع أشخاص مسيئين له.
العلاج الدوائي
يقترح الطبيب في بعض الحالات بعض الأدوية؛ لأنه يرى أنها الحل الأمثل في حالة حدوث المضاعفات النفسية؛ ومنها على سبيل المثال: دخول المريض في حالة من الاكتئاب الحاد، أو الإصابة بانفصام الشخصية.
العلاج المتوجه نحو الاستبصار
يرتكز هذا النوع من العلاج على سلسلة من الجلسات النفسية والتي تكون بشكل فردي؛ وفيها يبدأ المريض بالتحدث عن تاريخه المرضى وكافة التفاصيل المتعلقة بحياته الشخصية؛ كي يتمكن الطبيب المعالج من اكتشاف الأسباب الكامنة وراء إصابته بالماسوشية؛ مما يمكن الشخص المريض فيما بعد بالتحكم في سلوكه بشكل أفضل.
يجدر الإشارة إلي أن علاج الشخصية المازوكية بهذه الطريقة، قد يصل إلى عدد كبير من الجلسات النفسية على مدار سنوات طويلة، لأن سمات المازوخية التي نحاول تغييرها خلال هذه الجلسات؛ ما هي إلا معتقدات وأفكار راسخة ومتأصلة في نفسه منذ الطفولة المبكرة.
اقرأ أيضًا: التواضع.. وأبرز ملامح الشخصية القوية
طريقة التعامل مع الشخصية الماسوشية
الشخص الماسوشي بصورة عامة لا يشكل خطرًا على الآخرين؛ لأنه ليس ساديا، لكنه يتلقى الأذى والألم فضلًا عن توجيهه للآخرين، أي أنه بالغ الخطورة لذاته فقط، لذا يتحتم على الأشخاص المقربين منه أن يهتموا بتوعيته رويدًا رويدًا عن حالته؛ كي يدرك السلوكيات والأفكار الخاطئة التي يؤمن بها ويقدم عليها؛ ولكي يعي مدى تأثيرها السيئ على سمعته وأسرته وعلاقته الاجتماعية.
كما يجب حثه على زيارة طبيب نفسي متخصص في مثل هذه الحالات وأنه لا حرج في ذلك؛ كي يساعده في كبح أفكاره التي من الممكن أن تتطور إلى شذوذ، ومن المهم أيضًا أن ننصح الشخص الماسوشي بالاتجاه إلى ممارسة الأنشطة والتمارين المختلفة؛ بهدف إبعاده عن التفكير بهذه الأفكار العقيمة والسلبية التي اعتادها؛ أما في حالة معاناة أحد الزوجين من مازوخية الاضطراب الجنسي، فيتوجب على الطرف الآخر حينها التستر عليه وعدم إفشاء سلوكه للمحيطين؛ كما يجب عليه مساعدته في الذهاب إلى طبيب مختص في أقرب فرصة ممكنة.
الماسوشية الجنسية
لا يمكن إخفاء هذا النوع بين الزوجين أبدًا؛ لأنه سرعان ما ينكشف أمر الشخص المضطرب خلال العلاقة الحميمة، إذ يظهر جليًا في الشهور الأولى من الزواج، حيث يظهر الشخص الماسوشي برغبته القوية في الشعور بألم؛ لأن هذا يساعده في بلوغ الإثارة، ويظهر هذا الاضطراب لدى الرجل والمرأة على حد سواء، حيث تتلذذ المرأة على سبيل المثال؛ بتعرضها للضرب، أو العض، أو السباب أثناء العلاقة، وكذلك الحال مع الرجل الماسوشي، حيث يجد أن إنزال العذاب والألم به خلال العلاقة أو قبلها من أهم عوامل نجاحها.
الوقاية من اضطراب ماسوشية
لا حاجة لنا أن نذكر أن الوقاية دائمًا وأبدًا خير من العلاج، إذ تساعد على الحد من ظهور السلوكيات الشاذة والغريبة، بل وقد تلغيها في كثيرٍ من الأحيان؛ ومن أبرز طرق الوقاية المتبعة للحد من حب تعذيب الذات:
- إنشاء دور رعاية الأمومة والطفولة، المزودة بالمدربين والمختصين للتعامل مع هذه الظواهر.
- تقديم المسكن الصحي المناسب لنشأة الطفل.
- الاهتمام بالرعاية الصحية لكافة الفئات.
- سن التشريعات والقوانين التي تضمن لكل مواطن حقوقه.
- الاهتمام بوسائل الإعلام والتوعية الدينية.
- توفير النوادي للشباب؛ لتعلم الأنشطة المختلفة؛ بهدف التخلص من الطاقة الزائدة.
- التخلص من مثيرات الغرائز والحد منها سواء في الشوارع أو على صفحات التواصل الاجتماعي.
- صياغة المقررات الدراسية بطريقة تتماشى مع الدين والمجتمع.
ختامًا… نكون قد قدمنا كافة الإجابات الوافية لكافة التساؤلات حول اضطراب الشخصية الماسوشية من أسباب، أعراض، علاج ووقاية؛ كي تتمكن حينها من التحرر من قيود المازوخية، وتتمكن أيضًا أن تتلذذ بطيب الحياة ورغدها حرًا شامخًا لا عبدًا خانعًا.