يعاني بعض الأفراد من الاضطرابات المرتبطة بالقلق التي تكون عبارة عن: مخاوف، وأفكار غير منطقية تؤدي إلى سلوكيات، وتصرفات قهرية، من بينها: اضطراب الوسواس القهري، فهل يُحاسب مريض الوسواس القهري على أفعاله؟ هذا ما سوف نتعرف عليه من خلال هذا الموضوع.
اضطراب الوسواس القهري
من الأمراض النادرة المنتشرة أكثر من أي مرض نفسي آخر، وتبدأ المعاناة في سن مبكرة، وغالبًا ما يكون في مرحلة الطفولة، والمراهقة، بينما يظهر عند البالغين عند سن 21 عامًا تقريبًا، وتختلف محاوره باختلاف التصرفات الناتجة عنه؛ متمثلة في:
- تصرفات وسواسية، مثل: الإفراط في الترتيب، والخوف الشديد من التلوث والاتساخ، أو يغلب عليه بعض الرغبات العدوانية، والتخيلات الجنسية.
- تصرفات قهرية، وتتمثل في: العودة إلى فعل شيء معين عدة مرات، كالنظافة، الاستحمام، الإفراط في النظام، الترتيب، والفحص.
هل يحاسب مريض الوسواس القهري على أفعاله؟
أوضح بعض العلماء أن الوسواس من الابتلاءات التي يُصاب بها بعض الناس، ومن ذلك قوله تعالى: “من شر الوسواس الخناس، الذي يوسوس في صدور الناس” مشيرين إلى أنه يختلف عن حديث النفس، فالوساوس التي تدعو الإنسان إلى اقتراف الفواحش لها 3 مصادر: (النفس، شياطين الجن، وشياطين الإنس).
وما يتعرض له المسلم في موضوع الصلاة، وعدم درايته كم توضأ؟ هو من وسوسة الشيطان، وإن استعاذ بالله كفاه، أما إذا استسلم للأمر، واستجاب له، سيتحكم به الشيطان، ويتحول من وسوسة عارضة إلى مرضٍ مُهلك، وهو ما يُسمى بمرض: الوسواس القهري.
الدليل على ذلك
قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن بعض العلماء، أنه قال: (ما كرهته نفسُك لنفسِك، فهو من الشيطان؛ فاستعذ بالله منه، أما ما أحبته نفسُك لنفسِك، فهو منها؛ فانهها عنه)، والمسلم غير مؤاخذ على وساوس النفس، والشيطان ما لم يعمل بها، وهو مأمور بمقاومتها، أما إذا تهاون في ذلك، فإنه يؤاخذ عليه.
أما الوسواس القهري، فهو من الأمراض التي لا يُعاقب عليها الإنسان، حيث قال تعالى: “لا يكلف الله نفسًا إلا ما آتاها”، وقال أيضًا “واتقوا الله ما استطعتم”، وفي حديث النبي (صلى الله عليه وسلم) “إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل، أو تتكلم”، وعلى من ابتُلي بمثل هذا الأمر، عليه أن يحافظ على: قراءة القرآن، والأذكار، وتقوية إيمانه بالطاعات، والبعد عن المعاصي والمنكرات.
أعراض الوسواس القهري
غالبًا ما تظهر الأعراض الأساسية التي هي عبارة عن: تخيلات، وأفكار تتكرر بشكلٍ مستمر بدوافع لا إرادية مفتقرة إلى المنطق والعقل؛ مسببةً حدوث ضيقٍ، وإزعاج عند محاولة تغيير التفكير لبعض الأعمال الأخرى، وتتمثل هذه الأعراض فيما يلي:
- الخوف من العدوى عند ملامسة الآخرين، أو لمس أغراضهم.
- تراوده بعض الشكوك حول إطفاء الموقد، أو غلق الباب.
- تغلب عليه أفكار تتسبب بالأذى للآخرين.
- في بعض الأحيان يتخيل أنه يؤذي أبناءه، ويلحق بهم الضرر.
- يتعرض لضيق شديد إذا كانت الأغراض غير مرتبة، أو غير موجهة للاتجاه الصحيح.
- رغبته الجامحة في الصراخ الشديد في أوقات غير مناسبة.
- ترتيب العلب، أو البضائع بشكل منتظم.
- اتباع روتين صارم في التنظيف، والغسيل.
- يتعرض لحدوث الالتهابات الجلدية؛ نتيجة غسل الأيدي بصورة غير طبيعية.
- يعاني من الصلع الموضعي، أو تساقط الشعر؛ نتيجة نتفه، وشده.
أعراض قهرية أخرى
هناك بعض الأعراض القهرية التي تحدث؛ نتيجة دوافع ملحة لا يمكن التحكم بها، والسيطرة عليها، والتي من المفترض أنها تخفف من حدة القلق الناتج عنها، فمثلًا نجد المصاب الذي يعتقد بأنه دهس شخصًا ما يعود باستمرار إلى مكان الحادث، حيث إنه لا يستطيع التخلص من هذه الشكوك، وقد يخترع بعض القوانين التي تساعده في التحكم بالقلق المستثار؛ نتيجة هذه الأفكار، ومن بين هذه الأعراض ما يلي:
- العد، والإحصاء بأنماط معينة.
- الفحص المستمر للأبواب، والنوافذ؛ للتأكد من غلقها.
- غسل اليدين حتى يلتهب الجلد، ويتقشر.
- فحص الأفران، والمواقد باستمرار؛ للتأكد من أنها مطفأة.
أسباب الإصابة بالوسواس القهري
يتساءل البعض عن: هل مريض الوسواس القهري يُحاسب على أفعاله؟ ونقول إنه لا يوجد سبب صريح، وواضح حتى الآن للإصابة بهذا الاضطراب، وهو من الأمراض التي يُبتلى بها بعض الناس، لكن هناك بعض العوامل المحتملة التي قد تؤدي للإصابة به، من أهمها:
العوامل البيولوجية
أثبتت بعض الدراسات أن الوسواس القهري يحدث؛ نتيجة تغير كيميائي في دماغ، أو جسد المصاب، كما أن هناك بعض الأدلة التي تثبت أنه مرتبط بعوامل وراثية، لكن لم تُحدّد الجينات المسؤولة عنه حتى الآن؛ لذلك فهو غير معاقب على أفعاله.
عوامل بيئية
أشار بعض الباحثين إلى أن اضطراب الوسواس القهري الناتج عن بعض التصرفات، والعادات التي يمكن للفرد اكتسابها مع مرور الوقت من خلال: مشاهدة بعض أفراد أسرته يمارسها.
التعرض لصدمة نفسية
في بعض الأحيان يؤدي التعرض لبعض الأحداث المسببة للقلق، والتوتر، أو الصدمات النفسية إلى الإصابة بهذا الاضطراب، حيث يتسبب في إثارة الطقوس، والأفكار الروتينية المحفزة له.
علاج الوسواس القهري
قد لا يساعد العلاج على التخلص من المشكلة بشكلٍ كامل، لكنه يمَكّن من السيطرة على الأعراض، والتحكم في النشاط اليومي للمصاب، ويختلف العلاج تبعًا لشدة الأعراض، وهناك بعض الأشخاص الذين يحتاجون إلى علاج طويل الأمد، ومن بين الأنظمة العلاجية المتبعة ما يلي:
العلاج النفسي
يُستخدم العلاج السلوكي المعرفي مع الأشخاص المصابين باضطراب الوسواس القهري، وذلك من خلال: تعريض المُصاب إلى عنصر مخيف بشكلٍ تدريجي، وتدريبه على استخدام وسائل مقاومة الرغبة في ممارسة طقوس قهرية، ويتطلب ذلك العلاج الكثير من الجهد، والممارسة، لكن بمجرد أن يتعرف المريض على كيفية إدارة وساوسه القهرية، يمكنه الاستمتاع بحياةٍ أفضل.
العلاج الدوائي
هناك بعض الأدوية التي تساعد في السيطرة على الأهواء، والتصرفات القهرية لهذا الاضطراب، ومن أكثر الأدوية المستخدمة في ذلك: مضادات الاكتئاب، وقد لا يبلى العلاج النفسي والدوائي بلاءً حسنًا في هذا الأمر؛ لذلك يُخضع المريض إلى بعض البرامج العلاجية المكثفة، واستخدام التنبيه العميق للدماغ، والتي يُصدر فيها بعض المسارات الكهربائية التي تساعد على تنظيم النبضات غير الطبيعية، بالإضافة إلى استخدام التحفيز المغناطيسي؛ لتنشيط الخلايا العصبية في الدماغ، وتحسين أعراض هذا الاضطراب.
نصائح للتأقلم مع اضطراب الوسواس القهري
بعد أن أجبنا على التساؤل الذي يراود الكثيرون، وهو: هل يحاسب مريض الوسواس القهري على أفعاله؟ سنتعرف على كيفية الوقاية منه، ولا يوجد سبيل أقوى من الحصول على العلاج في أسرع وقت؛ للحماية من تزايد أعراض هذا الاضطراب، وتفاقمها حتى تؤثر على النشاط اليومي للمصاب، كما أن اتباع هذه النصائح يساعد في التعايش، والتأقلم معه، والتي تنص على:
- التعرف على أعراض الاضطراب يساعد في خلق وعي لدى المريض؛ مما يحفزه للالتزام بالعلاج
- الاستمرار في التركيز على هدف التعافي، والشفاء.
- الاستعانة بمجموعات الدعم التي توفر التواصل مع ممن يواجهون مثل هذه التحديات.
- البحث عن وسائل تنفيس صحية أخرى، مثل: ممارسة الهوايات، والأنشطة الترفيهية.
- ممارسة التمارين التي تبعث على الاسترخاء، والتحكم بالتوتر مثل: اليوجا، ورياضة التاي تشي.
- الانسجام في النشاطات اليومية العادية، مثل: الذهاب إلى المدرسة، أو العمل، وقضاء وقت مع العائلة، وعدم الاستسلام لهذا الاضطراب.
قد يتعرض البعض للخوف، والقلق تجاه التصرفات الصادرة عن مريض الوسواس القهري، ويبحثون عبر المواقع عن: هل يُحاسب مريض الوسواس القهري على أفعاله؟ وكانت الإجابة من أهل العلم، والاختصاص بأنه غير محاسب على تصرفاته القهرية؛ فهو مثله مثل أي مرض، أو ابتلاء يمر به الإنسان.