بنهاية القرن الـ19، تجلّت بعضٌ من إيجابيات نظرية التحليل النفسي كفكرة حتى قبل أن ينهي العالم النمساوي سيجموند فرويد وضع كافة الأسس التي تقوم عليها نظريته، عندما تعاون مع صديقه جوزيف بروير لإصدار أول كتاب يناقش ضرورة التطرق للجانب النفسي وعلاقته بالأعراض التي تظهر على المرضى دون مبرر حقيقي ملموس.
ما هي نظرية التحليل النفسي؟
طبقًا للتعريف الشائع؛ نظرية التحليل النفسي هي نظرية حول تنظيم الشخصية وآليات تطورها التي تُوجّه العلاج التحليلي، ويعتبر التحليل النفسي طريقة علاجية تُستخدم في علاج الأمراض النفسية، ويعود بالطبع كامل الفضل لفرويد في ظهور هذه الطريقة حيث وضع أول نظرياته في التحليل النفسي في أواخر القرن التاسع عشر.
انتشرت نظرية التحليل النفسي بشكل واسع في الثلث الأخير من القرن الـ20 باعتبارها جزءًا من الحوار الحَرج حول العلاجات النفسية في فترة ما بعد الستينيات، وبعد فترة طويلة من وفاة فرويد في عام 1939، أصبحت نظريته هذه موضع خلاف ورفضٍ على نطاق واسع، وهذا ما سوف نناقشه فيما بعد.
لكن الأهم بهذا الصدد، كانت محاولات فرويد للتركيز على البعد النفسي للبشر، عن طريق دراسة العقل الباطن والسمات التي تشكله، وغض الطرف عن دراساته السابقة للدماغ والأعصاب، ليصدر خلال رحلته عددًا من الكتب التي ناقشت علاقة اللاوعي، الأحلام وتجارب الطفولة بالمرض النفسي عند البالغين.
إيجابيات نظرية التحليل النفسي
من مزايا نظرية التحليل النفسي هي نجاح فرويد عن طريق منهجيته القائمة على دراسة الحالة في دراسة السلوك البشري بشكل أعمق، حيث افترض أن كل السلوكيات البشرية تستند بشكل رئيسي على الدوافع الغريزية، القائمة على إشباع الرغبات، بالتالي إذا تمكننا من دراسة هذه الرغبات بشكل دقيق، يمكننا وقتئذٍ توقع سلوكيات الفرد، أو على أقل تقدير فهم هذه السلوكيات.
يعتمد على المنهج التجريبي
من مميزات نظرية التحليل النفسي لدى فرويد أنها اعتمدت بشكل أساسي على منهج علم النفس التجريبي، الذي حتى وإن لم يتم اعتماده كعلم قائم بذاته بأوساط علم النفس الحديث، إلا أنه يُفسح مجالًا لدراسة جوانب الشخصية الإنسانية، بالتالي، امتلك علماء النفس بالعصور التالية أساسيات يمكن البناء عليها لتقديم نظريات أخرى تناقش تفاصيل النفس البشرية وتفاعلاتها الاجتماعية.
فهم أساسيات المرض
من النقاط الأبرز بخصوص إيجابيات نظرية التحليل النفسي، هي منحها بعدًا جديدًا للمرض العقلي، فقبل ذلك، كان ينظر لصاحب المرض العقلي بأنه يعاني مسًا شيطانيًا، لكن بناءً على النتائج التي توصل إليها فرويد، اتضح بأنه يمكن أن ينظر للمرض العقلي من منظور آخر، وهو اضطراب السلوك.
التوصل إلى آليات العلاج
وربما تعد أهم إيجابيات نظرية التحليل النفسي هي استقرار الجميع على أن التحدث عن المشكلات والتجارب السابقة التي واجهها أي إنسان مع المهنيين -الطبيب النفسي- من الممكن أن تساعد على ظهور الأعراض الحقيقية للمرض العقلي الذي يعاني منه، وبالتالي التوصل إلى آلية ما لعلاجه بشكل دقيق.
سلبيات نظرية التحليل النفسي
على الرغم من إيجابيات نظرية التحليل النفسي المتعددة، إلا أن علماء النفس المعاصرين قدموا عددًا من الانتقادات الموضوعية لهذه النظرية، والتي تم اعتبارها عيوبا أو سلبيات بنظرية التحليل النفسي الخاصة بفرويد، وتتلخص العيوب في 6 نقاط رئيسية؛
- أفرطت نظرية التحليل النفسي على اللاوعي، العدوان وتجارب الطفولة.
- تجاهل عوامل مثل اختلاف الشخصيات، المجتمعات والعمر أثناء تحليل المرضى نفسيًا ما يعني إسقاط عوامل مهمة، تؤدي إلى نتائج غير دقيقة.
- عدم استخدام منهج البحث العلمي والتعامل بمبدأ دراسة الحالة، وهذا يعني عدم قدرتنا على تطبيق نتائج هذه النظرية على كافة البشر.
- التحيز ضد المرأة، حيث وضع فرويد تحليلات للذكور، بشكل أكبر بكثير من الإناث.
- غموض بعض المفاهيم مثل اللاوعي، الأنا، والأنا العليا واعتبارها مفاهيم واسعة لا يمكن حصرها بإطار.
- غموض الافتراضات والتصورات المستقبلية التي وضعها فرويد، حيث لم يقدم فرويد دليلًا ملموسًا على أن السلوك الإنساني يتأثر بمرحلة الطفولة.
ما هي تفاصيل نظرية التحليل النفسي؟
طبقًا لفرويد؛ الأحداث في طفولتنا لها تأثير كبير على حياة البالغين، وتشكيل شخصيتنا، على سبيل المثال؛ يتم إخفاء القلق الناشئ عن التجارب المؤلمة في ماضي الشخص عن الوعي، وقد يسبب ذلك مشاكل أثناء مرحلة البلوغ، وبالتالي عندما نوضح سلوكنا للغير، نادرًا ما نعطي وصفًا حقيقيًا لدوافعنا، لكن ليس حبًا في الكذب بشكل عام، بل لكي نتجاهل هذه الماضي بما فيه من مؤرقات.
يؤكد فرويد خلال نظريته على أهمية اللاوعي، بحيث يفترض أن كل تصرفات الإنسان مدفوعة برغبة العقل اللاواعي على القيام بأي سلوك، بشكل أكبر من أن يتصوره الإنسان، بالتالي، كانت أهم إيجابيات نظرية التحليل النفسي الخاصة بفرويد، هي توضيح مدى أهمية جعل العقل اللاواعي واعيًا، عبر تحريره من آلام وتجارب الماضي المؤلمة.
مكونات الشخصية عند فرويد
أثناء دراسته الدقيقة للشخصية، ومحاولاته للبحث عن طريقة علاجية للشفاء من الاضطرابات العقلية، توصّل فرويد لحقيقة أن الشخصية الإنسانية يمكن تقسيمها إلى 3 أقسام رئيسية وهي الأنا، الهو، والأنا العليا.
الأنا
هي الجزء الإنساني المدفوع بمبدأ الواقعية، وتعمل الأنا بشكل كامل لخلق التوازن المرجو ما بين الهو والأنا العليا، من خلال محاولة تلبية الدوافع والرغبات الغريزية الخاصة بالهو، مع الحفاظ على الفصل بين ما هو واقعي وما بين ما هو غير واقعي.
الهو
تعتبر الجانب الفطري من شخصية الإنسان، حيث تسيطر الغرائز والرغبات الفطرية، مثل الجوع أو العطش أو الرغبة الجنسية، ويعمل قسم الهو وفقًا لمبدأ اللذة قريبة المدى، بحثًا عن المتعة الخالصة.
الأنا العليا
هي الكود الأخلاقي الخاص بالإنسان، فهي عبارة عن مجموعة المبادئ والأفكار والسلوكيات السامية التي يسعى إليها الفرد المثالي، والتي تتسم بابتعادها عن الرغبات الغريزية البهائمية، بالتالي فهي المساهم الأكبر في تحلّي الإنسان بقدر من الضبط والتحكم بالنفس.
في النهاية؛ يكفي أن نذكر أن أهم إيجابيات نظرية التحليل النفسي هي فتحها بابًا للتعامل مع المرض العقلي بشكل مغاير، ومن ثم مواصلة تطويرها ونقدها إلى أن أصبح علم النفس علمًا قائمًا بذاته، لذلك فحتى وإن كان هناك العديد من المآخذ على نظرية التحليل النفسي إلا أنها كانت حجر الأساس الذي بني عليه سنوات من الدراسات التي تهدف لفهم النفس البشرية، رغبة في إنقاذها من السقوط في فخ المرض النفسي والعقلي.