بمراسم كلفت بريطانيا نحو 97 ألف جنيه استرليني، وموكب شاهده ما يدنو من 400 ألف إنسان، وصلت الملكة فيكتوريا إلى سُدة الحكم على المملكة البريطانية، عن عمر ناهز الـ18 عامًا فقط بمنتصف عام 1838.
من هي الملكة فيكتوريا؟
عاشت الملكة فيكتوريا طفولة كئيبة، تحت نظام يعرف بـ«كينسنجتون»، وهو مجموعة من الإجراءات الدقيقة التي هدفت لحمايتها وتربيتها بمعزلٍ عن بقية الأطفال الآخرين، ويعتقد أن الغرض الأساسي من هذه التعليمات المشددة، هو أن تكون الأميرة الصغيرة ضعيفة، معتمدة على والدتها بشكلٍ شبه كامل، بينما يرجح البعض الآخر، أن السبب كان أخلاقيًا لإبعادها عن ارتكاب أي سلوك مشين.
في مايو 1837، أتمّت فيكتوريا عامها الـ18، وبعد شهرٍ واحد، توفي الملك «ويليام الرابع» عن عمر ناهز الـ71 عامًا، لتعلن فيكتوريا ملكةً على المملكة البريطانية.
“أيقظتني أمي في السادسة صباحاً لتخبرني أن رئيس الأساقفة لكانتربيري ولورد كونينجهام هنا ويرغبان في رؤيتي. فنهضت من سريري وذهبت لغرفة الجلوس وحدي ورأيتهما. عندها أخبرني لورد كونينجهام أن عمي المسكين قد توفي في الثانية و12 دقيقة صباحاً وتبعاً لذلك صرت أنا الملكة”.
-الملكة فيكتوريا تصف يوم إعلانها ملكة لبريطانيا.
وما بين يوم إعلانها ملكةً لبريطانيا، ويوم وفاتها بالـ22 من يناير 1901، كانت حياة «جدة أوروبا» كما عُرفت مليئة بالتفاصيل التي لم تُقص، أو بمعنىً أوضح، لم تأخذ حقها وسط كم الحكايات التي تم قصّها عن الملكة التي كانت للحظة وفاتها الأطول بقاءً في منصبها.
تقدمت لخطبة زوجها المستقبلي
التقت فيكتوريا بزوجها المستقبلي، الأمير ألبرت أمير ساكس-كوبورغ-غوتا، عندما كانت في السادسة عشرة من عمرها، وكان ابن عمها الأول، ابن شقيق والدتها وعمهم المشترك، ليوبولد الطموح، هو من صمم الاجتماع وقام بهندسة فكرة جعل الثنائي زوجًا وزوجة.
استمتعت الملكة فيكتوريا بصحبة ألبرت منذ البداية، وبتشجيع من ليوبولد تقدمت لخُطبة ألبرت (لأنها كانت الملكة، لم يستطع هو أن يطلب منها الزواج) في 15 أكتوبر 1839، بعد 5 أيام من وصوله إلى وندسور في رحلة إلى المحكمة الإنجليزية، ليتم زواجهما في العام التالي.
اختلطت مشاعر فيكتوريا حول فكرة الزواج نفسها، وخاصةً من ألبرت، حيث رأت في الزواج منه أمرًا ممتعًا وعاطفيًا، دفعها لتُنجب منه 9 أطفال، لكنها شعرت بخيبة الأمل، حين اصطدمت بالمسؤوليات التي وقعت على كاهلها بسبب الحمل والولادة، حيث وصفتها بجانب الظل من الزواج.
في ديسمبر عام 1861، فارق ألبرت الحياة، مصابًا بالتيفويد، ومنذ تلك اللحظة اضطربت حالة الملكة النفسية، ودخلت في حالة من الحداد، وارتدت الملابس السوداء في الفترة المتبقية من حياتها، كما ابتعدت فيكتوريا عن الأضواء والظهور في الأماكن العامة، ونادرًا ما كانت تطأ قدماها لندن في السنوات التالية لوفاة زوجها.
ابنة لأم عزباء وأم وحيدة
كانت فيكتوريا هي الابنة الوحيدة إدوارد، دوق كنت، النجل الرابع للملك جورج الثالث، وتوفي والدها بسبب الالتهاب الرئوي في عام 1820، عندما كان عمر فيكتوريا أقل من عام، وترعرعت في قصر كنسينغتون كما سبق وذكرنا تحت ظروف صارمة، حيث عاشت مع والدتها الألمانية المولد فيكتوريا ساكس-سالفيلد-كوبورغ، دوقة كينت.
عزلت الملكة فيكتوريا عن بعيدًا عن والدتها، تحت تأثير من مستشارها، السير جون كونري، الذي رأى بأن القرار الأصوب يكمن في إبعاد وريثة العرش بعيدة عن أقرانها، والأهم إبقاؤها بعيدة عن عائلة والدها المتوفي، لذلك، اعتمدت فيكتوريا على مشورة عمها ليوبولد، وكذلك مربيتها لويز، وعندما أصبحت ملكة وانتقلت إلى قصر باكنغهام، قامت فيكتوريا بنفي والدتها، وطردت كونروي.
عند وفاة زوجها ألبرت بحمى التيفويد، أعاد التاريخ نفسه، فوجدت نفسها وحيدةً كما والدتها، وأصيبت باكتئاب حاد، جعلها تفضل العيش وحيدة تقريبًا حتى وفاتها.
الإصابة بمرض «ملكي»
يعتقد أن الملكة فيكتوريا كانت مصابةً بالـ«هيموفيليا»، وهو مرض نادر، يشخص على أنه اضطراب تخثر الدم الناجم عن طفرة في الكروموسوم X، ويمكن أن ينتقل على طول خط الأم داخل الأسرة الواحدة، ويفترض أن الرجال أكثر عرضة للإصابة به، في حين أن النساء المصابات يرجح أن يكن حاملات عند الإصابة به.
يمكن أن ينزف المصابون به بشكل مفرط، لأن دمائهم لا تتخثر بشكل صحيح، مما يؤدي إلى ألم شديد وأحيانًا الوفاة، وربما كانت علاقة عائلة فيكتوريا بهذا المرض موجودةً حيث إن نجل فيكتوريا ليوبولد، دوق ألباني، توفي متأثرا بفقدان الدم بعد أن انزلق وسقط، بينما نزف حفيدها فريدريش حتى الموت في سن الثانية فقط، في حين توفي حفيدان آخران لها، وهما ليوبولد وموريس، بسبب نفس المشكلة في أوائل الثلاثينات من عمرهما.
عندما تزوج أحفاد فيكتوريا من عائلات ملكية في جميع أنحاء أوروبا، انتشر المرض من بريطانيا إلى نبلاء ألمانيا وروسيا وإسبانيا ما جعله يعرف بالمرض الملكي، وكشفت الأبحاث الحديثة التي تضمنت تحليل الحمض النووي على عظام آخر عائلة ملكية روسية، عائلة رومانوف (الذين أُعدموا في عام 1918 بعد الثورة البلشفية)، أن أحفاد فيكتوريا عانوا من نوع فرعي من الاضطراب، الهيموفيليا ب، وهو أقل شيوعًا بكثير من الهيموفيلياA الذي انقرض في الأغلب، ولم تعد أعراضه تظهر على المنحدرين من أشجار العائلات الملكية بأوروبا.
استهداف الملكة
تعرضت الملكة فيكتوريا على الأقل لـ6 محاولات اغتيال فاشلة خلال فترة حكمها لبريطانيا والتي امتد لقرابة الـ63 عامًا، كانت كلها أثناء ركوبها لعربتها الملكية.
في عام 1840، أطلق شاب يبلغ من العمر 18 عامًا يدعى إدوارد أكسفورد رصاصتين على عربة الملكة الشابة أثناء سيرها في لندن، لكن لم تتم إدانته بتهمة الخيانة العظمى، بسبب تشخيصه بالجنون. بينما حاول شاب آخر يدعى جون فرانسيس، اغتيال الملكة فيكتوريا أيضًر حين أطلق رصاصتين على عربتها في 1842.
في نفس العام، حاول الشاب جون ويليام بين إطلاق النار من مسدس محمل بالورق والتبغ على الملكة، لكنه لم ينجح كذلك في اغتيالها، في حين وقع هجومان آخران على عربات الملكة في عامي 1849 و1850، كان الأول من قبل الأيرلندي ويليام هاملتون والثاني من قبل ضابط الجيش السابق روبرت بات، الذي قام بضرب الملكة بعكازه.
أخيرًا، في مارس 1882، أطلق شاعر اسكتلندي ساخط يدعى رودريك ماكلين النار على فيكتوريا بمسدس بينما كانت عربتها تغادر محطة قطار وندسور، وبعد محاكمته اتضح أنه مجنون وحكم عليه بالسجن المؤبد في مصحة نفسية.
القاسم المشترك الأعظم بين كل محاولات الاغتيال تلك، أنه في أعقاب كل محاولة اغتيال، ارتفعت شعبية فيكتوريا عادة بين الجمهور البريطاني وازداد تعلقهم بها.
في النهاية؛ نال الروماتيزم والهذيان من صحة الملكة فيكتوريا، لتفارق الحياة في الـ22 من يناير 1901، تاركةً وصية بأن تقام لها جنازة عسكرية تليق بابنة قائد الجيوش، كما أوصت بأن يرتدي جميع الحضور ملابس بيضاء، وبناء على طلبها، تم وضع مجموعة من التذكارات التي جمعتها من عائلتها وأصدقائها وخدمها معها في الكفن.