خيال الظل فن عشقه العرب وشغف به سلاطين المماليك، وهو يعد من أهم وسائل الترفيه في ذلك الوقت، وكانت تسمى في ذلك الوقت بشخوص الخيال، اشتهر به ابن دانيال، وهو لمن لا يعرفه يعد الأب الروحي لهذا الفن في عصر سلاطين المماليك، ويمكنك التعرف على هذا الفن وعلى ابن دانيال عراب خيال الظل، في هذه السطور.
كيف عرف العرب خيال الظل؟
انتشر في مصر وسائر البلدان العربية أيام المماليك لعبة خيال الظل التي تعتمد على تحريك دمى مصنوعة من الجلد خلف ستار مشدود من القماش يضيئه مصباح، ويرجع منشأ هذه اللعبة إلى بلاد الهند القديمة كما يذكر بعض المؤرخين، ويقول البعض الآخر إن أصل نشأتها كانت الصين، وانتقلت إلى بلاد العرب عن طريق الهند وبلاد فارس بعد فتحهما، وبعدها انتقلت إلى مصر عن طريق سوريا ومن مصر إلى بلاد المغرب العربي، وعلى أي حال أيا ما كان بلد المنشأ لفن خيال الظل فقد أصبح على مدى فترة زمنية طويلة عربي الهوى، عشقه العرب حتى سار التسلية العامة المفضلة لجميع طبقات المجتمع.
وقد عرف العرب فن خيال الظل في العصر العباسي، وكان يعد في مصر من أهم وسائل إحياء المواسم وحفلات الزواج والختان، وقد استمر خيال الظل طوال العصرين الأيوبي والمملوكي من أهم وسائل التسلية في مصر على الإطلاق، واستمر كذلك حتى الفتح العثماني لمصر وقيل إن السلطان العثماني سليم الأول قد اصطحب معه عند عودته إلى إسطنبول بعد فتح مصر بعض المخايلة المهرة (مختار السويفي، خيال الظل والعرائس في العالم، القاهرة).
ما هو فن خيال الظل؟
خيال الظل هو عبارة عن دمى تصنع من الجلد وتحرك بعصي وسيقان خشبية، يحركها أحد اللاعبين من وراء ستارة بيضاء مشدودة مسلط عليها الضوء من خلال مصباح فيظهر ظل وخيال الدمى على المسرح، ويقوم اثنان من اللاعبين بالعزف على آلات موسيقية، وكما يذكر لنا تيمور أن خيال الظل هو ببساطة تمثيل غير مباشر من خلف ستار، وهـو يعد فـنا مسرحيا يقوم على قصة، ذات بداية ونهاية وأحداث وشخـصيات، تمثل وراء الستار معتمده في التمثيل على الدمى بدلًا من البشر.
تسمى الرواية التمثيلية في خيال الظل “بابة” وفيها يتم المزج بين اللغة العربية الفصحى والعامية، وبين الشعر والغناء، ويسمى الرجل الذي يحرك الدمى “المخايل” أما مغني البابة، فيطلق عليه اسم “الحازق” (أحمد تيمور، خيال الظل واللعب والتماثيل المصورة عند العرب، القاهرة 1957).
من هو ابن دانيال عراب خيال الظل؟
هو شمس الدين أبو عبدﷲ محمد بن دانيال، الخزاعي، ولد ابن دانيال بمنطقة أم الربيعين بالموصل سنة 646_1238م وقضى شبابه بها ودرس القرآن الكريم في كتاتيبها، وتلقى العلم والأدب في مدارسها وكانت الموصل آن ذاك مركز الحضارة الإسلامية، لكنه لم يكد يلتمس العلم والثقافة بها حتى زحف التتار على العراق فدمروها وقضوا على معلمها، فهرب مع من فروا سنة 660هـ_1262م وكان عمر ابن دانيال 14 عاما، وتبدل حاله فأصبح نعيمه شقاء. (ابن إياس، بدائع الزهور في وقائع الدور، ج3).
رحلة ابن دانيال إلى مصر
قصد ابن دانيال مصر آخر معقل للحضارة الإسلامية وملاذ كل خائف هو وغيره من الأدباء والعلماء الناجين من بطش التتار، وَاستقر ابن دانيال في القاهرة. واستأجر دكانًا في سوق “باب الفتوح” بالقاهرة، يكحل فيه الناس فعرف بالحكيم شمس الدين، حيث كان الكحل يستخدم كعلاج لأمراض العين إلى جانب التزين في ذلك الوقت.
ويصور لنا ابن دانيال حال المجتمع وقت وصوله إلى مصر فيقول: وقت قدمت من الموصل الحدباء إلى الديار المصرية في الدولة الظاهرية، سقى الله عهدها وأعذب في الجنان، ومواطن أنسها غير آنسة، عافية الآثار ساقطة الحد بالعثار.
فقد كانت الحالة الاقتصادية لمجتمع القاهرة إبان قدوم ابن دانيال إليها سيئة للغاية بسبب نقص خطير في فيضان النيل فارتبكت الحياة الاقتصادية وتزعزعت حالة الأسواق وترتب على هذا ارتفاع الأسعار وانتشار الجوع بين الناس. ولكن بالغم من كل هذه الظروف لم يتخل أهل مصر عن روح الفكاهة وحبهم لوسائل الترفيه.
ابن دانيال يحترف خيال الظل
يعتبر ابن دانيال أعظم من نبغ في فن خيال الظل، وقد عمل على انتشار هذا الفن في عصر سلاطين المماليك، قال عنه ابن إياس كان ابن دانيال شاعرا ماهرا، وهو يعد الأب الروحي وعراب فن خيال الظل نظرًا لتفوقه في فن التمثيل كما أنه كان يكتب الرواية وينظم الأصوات ويلحنها ويختار ويفصل الأزياء المناسبة وكل ما يحتاجه العرض فكان الكاتب والممثل والمنتج والمخرج للعمل.
قبل أن يحترف ابن دانيال فن خيال الظل كان فقير الحال يعمل بالكحالة نهارًا، وفي الليل كان يحضر بعض العروض لخيال الظل أيام الظاهر بيبرس، وكان ينظم الشعر وقد انصرف ابن دانيال إلى مهنة المخايلة واللهو والضحك التي كان يرى فيها علاجا لأشجانه.
وبعد بدئه بعروض خيال الظل بمدة قليلة ذاع صيته بين الناس، وسعى إلى التعرف عليه كبار رجال الدولة وكثرت عليه الإنعامات والهبات حتى تحسنت حالته المادية، وكان لابن دانيال راتب من الديوان من لحم وعليق.
وقد قدم ابن دانيال العديد من العروض أو البابات كان من أشهرها 3 روايات (بابات) وهي: “طيف الخيال” و”عجيب وغريب” و”المتـيم”، وهي التي وصلتنا وعلى ما يبدو قد تم تدوينها بعد وفاته (طيف الخيال، مخطوط بدار الكتب المصرية تحت رقم 5356)
سر نجاح ابن دانيال عراب خيال الظل
كان لابن دانيال منزلة كبيرة في نفوس الحكام والمحكومين وربما يرجع سبب نجاحه ونجاح فن خيال الظل لطبيعة الشعب المصري فهم يميلون للمزاح والمرح، محبون للفكاهة والدعابة وربما يرجع سبب نجاح ذلك النوع من الفن أنه لم يكن لتسلية الشعوب فقط بل كان يعد متنفس الشعوب للتعبير عن المتاعب والأزمات التي تعرض لها عامة الناس في عصر سلاطين المماليك.
مزج ابن دانيال في عروضه اللغة الدارجة لعامة الناس والفصحى، والشعر والغناء، كما استطاع أن يصف شخصيات عروض الظل بمنتهى المهارة، وكان يختار لكل شخصية اسما غريبا مضحكا مشتقا من طبيعة المهنة ومنطبقا على أوصافها الجسمية، وهو أسلوب معمول به في بعض المسرحيات الكوميدية حتى يومنا هذا.
كانت تدور معظم عروض خيال الظل حول نقد المظالم التي كانت تعتصر الحياة الاجتماعية المصرية.
عشق كبار الدولة عروض الظل، ويقول ابن إياس إن أمراء المماليك كانوا شغوفين بفن خيال الظل وكان السلطان الناصر حسن يتسلى بمشاهدة عروض الظل، ولا يمل من عروضه، وكذلك السلطان قايتباي (لطفي أحمد نصار، وسائل الترفيه في عصر سلاطين المماليك، القاهرة، ص333:ص350).