يعاني غالبية الأطفال من حولنا من مرض التوحد الافتراضي، وهي الحقيقة التي قد لا يدركها الكثير من الآباء، إذ أصبح التوحد بمثابة مرض العصر، كنتيجة طبيعية لقضاء أطفالنا الكثير من الساعات، أمام شاشات الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر، الأمر الذي يؤدي إلى انعزالهم التام عن محيطهم الواقعي، وظهور أعراض المرض عليهم تدريجيًا.
التوحد الافتراضي
هو نوع من أنواع التوحد، يتشابه كثيرًا مع التوحد الحقيقي، إذ لم تتوصل أي طريقة من طرق العلاج السريري للفرق بينهما، باستثناء الاختلاف في مسار بداية أعراض المرض فقط، ويطلق عليه هذا الاسم نسبة إلى سبب الإصابة به، إذ يصاب الطفل بهذا النوع من التوحد، إثر جلوسه أمام الشاشات الإلكترونية لساعات طويلة، مما يولد لديه مشكلات سلوكية كبيرة، كذلك مشكلات في التعامل مع الآخرين.
بالإضافة إلى ظهور بعض السلوكيات العدوانية، والحرمان الحسي والحركي والاجتماعي، كما هو الحال تمامًا مع طفل التوحد الحقيقي، إذ يؤثر الجلوس لمدة 4 ساعات أمام شاشة الهاتف المحمول أو التلفاز، على نمو وتطور دماغ الطفل، وهو ما أكدته بعض الأبحاث المختلفة التي أجريت حول مرض التوحد.
أعراضه
أكد الباحثون أن قضاء أكثر من ساعتين أمام الشاشات، يؤدي إلى انخفاض المادة البيضاء المتواجدة في الدماغ، والتي تعود أهميتها إلى المساعدة في تنظيم الفكر ومعالجته، كذلك أداء الكثير من الوظائف الحيوية، وهو ما أكدته أيضًا الأكاديمية الأمريكية والجمعية الكندية لطب الأطفال، والذين استطاعوا إثبات الكثير من الأضرار الناجمة، عن تعرض الأطفال للشاشات والهواتف المحمولة لساعات، الأمر الذي يظهر تأثيره على المدى البعيد أو القريب، من خلال ما يلي:
- انخفاض إدراك الطفل.
- فقدان الطفل العاطفة والشعور بالآخرين.
- الاختلاف في التطور والنمو، الأمر الذي يظهر جليًا عند مشاهدتهم بين أقرانهم.
- التغيرات الجسدية والصحية.
- انخفاض معدل القدرة على التفاعل، مع المجتمع والأشخاص في البيئة المحيطة.
- تغيرات واضحة في السلوكيات.
- توقف الاستجابة لأسمائهم عند مناداتهم، حتى وإن كان من مكانٍ قريب.
- تجنب التواصل البصري بشكل واضح.
- البرود واللامبالاة في التصرفات وردود الأفعال.
أعراض متأخرة
بالإضافة إلى ما سبق، فإن هناك بعض التغيرات السلوكية المتأخرة، والتي تظهر بوضوح على الطفل في فترة تتراوح بين أسبوع إلى أسبوعين، إثر سحب الأجهزة الإلكترونية منه، أو الحد من استخدامها، وتتمثل هذه الأعراض في:
- تغيرات ملحوظة في تعابير الوجه، تتمثل أحيانًا في جموده تمامًا، إذ يكون خاليًا من أية تعبيرات، والعكس صحيح، حيث يتحول الطفل فجأة ليستخدم تعابير وجهه بشكلٍ ملحوظ، خاصةً في المناسبات الاجتماعية وتواجد الكثير من الأشخاص.
- حالة واضحة من الاضطراب السلوكي.
- التأخر اللغوي وفرط الحركة، وهي الأعراض التي يمكن أن تختفي بعد بضعة أشهر.
علاج التوحد الافتراضي
من الضروري متابعة سلوك الطفل، وذلك من خلال إبقاء الطفل تحت المراقبة بشكلٍ دوري، ومعرفة مدى احتياجه إما للعلاج الدوائي، أو العلاج النفسي والاجتماعي، أو علاج النطق والتواصل اللغوي، مما يساعده على سرعة التعافي، النمو بشكل طبيعي، والتخلص من أعراض التوحد الافتراضي بشكل تام، وتتضمن العلاجات:
العلاج الدوائي
حتى الآن، لا يوجد دواء معين لتحسين الأعراض الأساسية للتوحد الافتراضي، لذا فقد لجأ الأطباء لاستخدام الأدوية المساعدة في السيطرة على بعض أعراضه، مثل الأدوية التي قد توصف في حال كان الطفل يعاني من فرط النشاط والحركة، كذلك بعض أنواع الأدوية الأخرى المضادة للذهان، بالإضافة إلى الأدوية التي تستخدم في علاج المشكلات السلوكية الحادة.
كذلك يصف بعض الأطباء أدوية مضادة للاكتئاب، بهدف الحد من أعراض القلق، التي قد تظهر على الطفل في وقت من الأوقات، ولكن قبل كل شيء يجب الاستشارة والاستعلام جيدًا، قبل تناول الطفل للدواء، إذ يمكن أن تتفاعل بعض الأدوية مع المكملات الغذائية، الأمر الذي يتسبب في حدوث آثار جانبية خطيرة جدًا.
العلاج السلوكي
تهدف برامج العلاج السلوكي إلى علاج مجموعة من الصعوبات، التي يعاني منها الطفل، والتي تتمثل في الصعوبات الاجتماعية واللغوية، كذلك السلوكية المرتبطة بـ اضطراب التوحد، حيث تركز هذه البرامج على الحد من السلوكيات المثيرة للمشاكل، كذلك تعليم الطفل لعدة مهارات جديدة، بالإضافة إلى التركيز على كيفية مواجهة الطفل للمواقف الاجتماعية، والتصرف بشكل أفضل مع الآخرين.
العلاج التربوي
يستجيب الأطفال المصابون بالتوحد الافتراضي، للبرامج التربوية التي تتميز بدرجة عالية من التنظيم، والتي تتضمن عادةً فريقا متكاملا من الأخصائيين، وتشمل هذه البرامج مجموعة مختلفة من الأنشطة الفردية المركزة، بهدف تحسين المهارات الاجتماعية للطفل، ومهارات الاتصال والسلوك، وغالبًا ما يحرز الأطفال قبل سن المدرسة تقدمًا واضحًا، إذا ما تمت معالجتهم من خلال هذه البرامج.
العلاج الأسري
من الضروري أن يسهم الآباء وجميع أفراد الأسرة، في الخطة العلاجية للطفل، من خلال اللعب والتفاعل معه باستمرار، بالطرق التي تحفز مهاراته الاجتماعية، وتعالج المشكلات المتعلقة بسلوكياته، بالإضافة إلى تعليمه مهارات التواصل والمهارات الحياتية اليومية المختلفة.
اليوم العالمي للتوحد
نظرًا لتزايد أعداد الأطفال المصابين بالتوحد الافتراضي، قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة، بمناقشة أهمية التوعية بمرض التوحد، لتسليط الضوء على أسبابه وأعراضه، والطرق الفعالة لعلاجه، بهدف تحسين حياة الأشخاص الذين يعانون من التوحد، كذلك الأشخاص المحيطين بهم والذين يتعاملون معهم باستمرار، حتى يتمكنوا من التفاعل كجزء لا يتجزأ من المجتمع، ويصبحوا مؤهلين للعيش بطريقة طبيعية.
وبحلول عام 2008، بدأ تنفيذ اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقات، والتي يتمثل الغرض منها في تعزيز مبادئ حقوق الإنسان العالمية، وحق امتلاكها للجميع، خاصةً الأشخاص ذوي الإعاقات، إذ تهدف هذه المبادئ إلى حمايتهم وضمان حقوقهم وحريتهم، ومن هذا المنطلق تم الإعلان بشكلٍ رسمي عن يوم 2 أبريل، ليصبح يومًا عالميًا للتوعية بمرض التوحد.
كيف تحمي طفلك؟
من الضروري أن يدرك الآباء جميع المراحل المهمة لنمو وتطور أطفالهم، وهي المراحل التي تنمو فيها أفكار الطفل واكتسابه للمهارات الاجتماعية، وتفاعله مع المحيطين به، بالإضافة إلى تطور مهاراته اللغوية، وقدرته على الكلام والتحدث إلى الآخرين، إذ تلعب كل مرحلة في حياة الطفل دورًا هامًا في تشغيل حواسه، وإكسابه مهارات جديدة متعددة.
طرق الحماية من المرض
وتعود أهمية إدراك الآباء لهذه المراحل، إلى المساهمة في الحد من التوحد الافتراضي، الذي قد يصيب الطفل في أي فترة من فترات حياته، إذا تم إهماله وإهمال مراقبته بشكلٍ دوري، ومن أهم العوامل المؤدية لحماية الطفل من هذا المرض:
- كثرة التفاعل بين الطفل ووالديه، إذ يجب على الأبوين الإكثار من ساعات اللعب مع أطفالهم، مما يزيد من التواصل المستمر والمباشر بينهم.
- قضاء وقت أطول مع الطفل المتوحد، وتخصيص وقت معين للحديث معه، وفهم احتياجاته ومشاعره، ويفضل أن يكون هذا الوقت أثناء تناول إحدى الوجبات الرئيسية، الأمر الذي يعزز ثقة الطفل وتواصله مع والديه.
- الحد من استخدام الأجهزة الإلكترونية، وتخصيص أوقات محددة على مدار اليوم، للجلوس أمام الشاشات أو استخدام الهواتف المحمولة، بحد أقصى ساعة في المرة الواحدة.
وقد ثبتت فاعلية هذه الوسائل بعد تطبيقها، الأمر الذي أكده العديد من الأطباء، والذين صرحوا بحدوث تغيير سريع وجذري، في حالات الأطفال المصابين بالتوحد الافتراضي، إذ تم علاجهم تمامًا بعد تقييم حالاتهم المرضية بعد عدة أشهر، إثر قيام الوالدين باتباع هذه الوسائل، خاصة تقليل عدد ساعات استخدام الأجهزة الإلكترونية.
تقوم هذه الوسائل بإجبار الطفل على التعايش مع واقعه، واكتشاف العالم من حوله دون تشتيت انتباهه، بأية وسيلة قد تعترض طريقه، لذا من الضروري جدًا أن يتبع الآباء هذا النمط قبل بلوغ الطفل الرابعة من عمره، لضمان سرعة التعافي وإنقاذ الطفل من الإلكترونيات، التي أصبحت بمثابة فك مفترس لا يخلو منه أي منزل.