يمثل طيف التوحد مجموعة معقدة من الأزمات الذهنية، تعبث بقدرات المصاب العقلية، وتتسبب في صعوبات عدة على صعيد التواصل مع الآخرين أو التعامل مع التحديات اليومية، ترى ما هي اضطرابات طيف الذاتوية المختلفة وهل هناك أمل في علاجها؟
طيف التوحد
يصنف مرض أو اضطراب طيف التوحد باعتباره من أمراض النماء العصبي، أي أنه يؤثر بالسلب على مدى تطور العقل لدى المصابين به، فيما يعد من الأمراض المزمنة التي لم يكتشف العلماء حتى الآن عن علاج مؤكد لها.
يتعارض اضطراب طيف التوحد بشكل عام مع قدرة على المريض على تكوين العلاقات الاجتماعية المعتادة مع من حوله، كما يدفعه إلى الانعزال ويتسبب في صعوبات تبدو بالغة أحيانًا في التعلم والتطور، لتصبح الاستقلالية في الحياة من الأحلام بعيدة المنال للكثير من ضحايا طيف التوحد متعدد الأنواع.
“تعرف على مشاهير أصيبوا بطيف التوحد“
الفرق بين التوحد وطيف التوحد
يعتقد الكثيرون أن طيف التوحد والتوحد هما أمر واحد، فيما يتبين أن العلاقة الوثيقة بينهما لا تتعارض مع التأكيد على خطأ هذا الاعتقاد الشائع بين ملايين البشر.
يؤكد العلماء أن التوحد والذي يعرف كذلك باسم التوحد الكلاسيكي أو التقليدي، هو نوع واحد من بين أنواع اضطرابات التوحد، ليفسر ذلك اعتبار التوحد جزءا من طيف الذاتوية الأكثر شمولية، والذي نوضح أنواعه المختلفة الآن.
أنواع اضطرابات طيف التوحد
تختلف أعراض ونتائج المعاناة من طيف التوحد من حالة لأخرى، وفقًا لنوع الأزمة المتحكمة في زمام الأمور، ليؤكد ذلك من جديد تعدد اضطرابات طيف التوحد التي نوضحها في السطور التالية:
التوحد الكلاسيكي
هو النوع الأشهر والذي يتسم بالصعوبة البالغة مقارنة بأعراض اضطرابات طيف التوحد الأخرى، والسر في أنه يجمع الكثير من علامات التوحد، والذي لم يتم التوصل لعلاجاته الجذرية إلى الآن.
يعرف التوحد الكلاسيكي كذلك باسم التوحد التقليدي، فيما يمنع المصاب به من تكوين العلاقات الاجتماعية بكل الصور، كما يزيد من صعوبات التعلم لديه، ليصبح ضحيته أشبه بسجين لحالة مزمنة ربما يمكن تطويرها يومًا بعد الآخر ولكن في نطاق ضيق.
اضطراب الطفولة
يعرف هذا الاضطراب كذلك باسم متلازمة هيلر، فيما يعد من اضطرابات طيف التوحد شديدة الندرة، والتي لا تقل قسوة عن التوحد الكلاسيكي، من ناحية تأثيرها السلبي على المصاب، والذي يبدو محرومًا من القدرة على التمتع بحياة مستقلة مهما طال الزمان.
يؤكد العلماء أن هذا الاضطراب تحديدًا، يبدأ في السيطرة على المريض بعد الولادة بنحو عامين أو أكثر، ليحول دون قدرته على تعلم المزيد من المهارات، بل ويتسبب في إفساد ما سبق وأن اكتسبه من قدرات اجتماعية أو حتى لغوية.
اضطراب النمو الشامل
لا تتسم أعراض اضطراب النمو الشامل بنفس تعقيد أعراض الأزمات السابقة والتي تندرج أسفل قائمة اضطرابات طيف التوحد، وهو الاضطراب الذي اكتشفه العالم والطبيب الأمريكي ليو كانير في أربعينيات القرن الماضي.
يبقى ضحية هذا الاضطراب في كل الأحوال، غير قادر على التواصل مع غيره بالدرجة المطلوبة، كما أن السلوكيات المكررة تصبح هي الملاذ الآمن له، في ظل كراهيته الشديدة لخوض التجارب الجديدة.
متلازمة أسبرجر
تصنف متلازمة أسبرجر باعتبارها النوع الأقل حدة من بين اضطرابات التوحد، ما تفسره نسب الذكاء غير الضعيفة، والتي ربما تتخطى حاجز الذكاء المتوسط لدى المصابين به.
يعاني ضحية تلك المتلازمة كما هي العادة من صعوبات في التواصل وعجز عن إدراك رغبات الآخرين، وكذلك من عدم القدرة على ترجمة المشاعر الخاصة أو فهم مشاعر من حوله، فيما تتمثل النقطة الإيجابية الأخرى في تلك الحالة، في إمكانية تعايش المريض مع الأزمة بنجاح إن حظي بالعلاج المناسب.
أعراض طيف التوحد
ربما كشفت اضطرابات طيف التوحد المذكورة في السطور السابقة، عن الكثير من الأعراض التي تسيطر على المصابين، إلا أنها تشكل في كل الأحوال نسبة قليلة من علامات المرض التالية:
أعراض التواصل
هي تلك المجموعة من نقاط الضعف التي تظهر على ضحية مرض طيف التوحد، لتمنعه من التواصل مع البشر بالدرجة المطلوبة، ذلك عن طريق تقليل رغبته في مشاركة الآخرين بما يحب أو يكره، ومن خلال التأثير بالسلب على درجة تقديره لمشاعره أو مشاعر الأشخاص المحيطين.
كذلك تؤدي أعراض طيف التوحد المتعلقة بالتواصل، إلى عجز المريض عن التواصل بصريًا مع أي شخص، مع عدم القدرة على استخدام الإيماءات والإشارات، وفي ظل التحدث بصورة تبدو آلية خالية من المشاعر.
يشير الباحثون إلى أن مريض طيف التوحد قد يجد المزيد من الأزمات في التواصل، نظرًا لأنه لا يقوم بأي تعابير بالوجه، كما لا يستجيب من الأساس لنداء أحد الأشخاص له باسمه، وكأنه لا يعرفه من الأساس.
أعراض السلوك
تدور أعراض الاضطراب المؤثرة على السلوك، حول تكرار الممارسات بصورة شديدة الروتينية من جانب المصاب، فبداية من التصفيق المستمر أو إعادة العبارات المنطوقة من قبل غيره، يبدو ضحية الاضطراب وكأنه غارق في عالم غير متجدد.
يميل ضحية التوحد إذن لترتيب كل الأشياء التي يملكها باهتمام، مع رفض التغيير ومهما كان مفيدًا أو غير مؤثر بالدرجة الكبيرة، علمًا بأنه يصب جام غضبه إن تجرأ أحد ما على إجراء أي تعديل.
لا يمكن تجاهل عجز ضحية مرض طيف التوحد عن التحدث ولو بعبارات قصيرة مع الآخرين، لذا فمع رفضه للتعرض ولو للمسة ودية من شخص آخر، يبدو سلوك المريض شديد العدائية من وجهة نظر الكثيرين.
لماذا يعاني البعض من اضطرابات طيف التوحد؟
ربما تبدو الإجابة على هذا التساؤل شديدة السهولة بالنسبة إلى قطاع واسع من العلماء والباحثين، إلا أن الواقع يثبت حتى الآن عجز المتخصصين عن التوصل لسبب جذري وراء حدوث الأزمة، رغم وجود بعض من العوامل شديدة الخطورة مثل:
- العوامل الوراثية والتي تكشف عن احتمالية معاناة الأجيال اللاحقة من المرضى، إن كانت الأجيال السابقة قد أصيبت بالأزمة نفسها.
- المعاناة من بعض الأزمات أو الطفرات الجينية، ومن ضمنها متلازمة الكروموسوم إكس الهش.
- حصول الأم على بعض الأدوية العلاجية، أو تعاطي المواد المخدرة أو الكحوليات أثناء فترة الحمل.
- تقدم عمر الأبوين عند الولادة، والذي يزيد من فرص إنجاب طفل متوحد.
- المعاناة من قلة حجم الجسم بصورة ملحوظة عند الولادة.
علاج طيف التوحد
توجد الكثير من الخطوات العلمية المتبعة من أجل علاج طيف التوحد بأمان، إلا أن الخطوة الأولى يجب أن تبقى ممثلة دائمًا في التشخيص الذي يسبق طرق التعامل مع الأزمة، كما نوضح في السطور التالية:
التشخيص
يبدو الأطباء في حاجة إلى الجلوس مع الطفل المتوحد، لملاحظة الأعراض التي يعاني منها، ومشاهدة سلوكياته المتفردة عن قرب، فيما يتم التوصل لاحقًا إلى حقيقة مرض المصاب من عدمه، عبر تكاتف مختلف الأطباء، ما بين طبيب علم النفس وأخصائي التخاطب وطبيب الأطفال.
العلاج المعرفي السلوكي
هي الخطوة الضرورية والتي تأتي عقب التشخيص لتعطي المريض فرصة الإلمام بتفاصيل أزمته، مع حثه على تعلم بعض الخطوات التي يمكن اتباعها للتعامل المثالي مع البشر المحيطين.
التدريب على المهارات
يحظى ضحية الاضطراب بهذا التدريب تحت إشراف المتخصصين، حيث يتعلم سواء عبر جلسات فردية أو جماعية، كيفية التواصل بنجاح مع الآخرين من أجل تكوين العلاقات الاجتماعية.
التعامل مع أخصائي التخاطب
يبدو مريض التوحد بحاجة ماسة إلى تعلم كيفية التحدث بأريحية، من أجل الكشف عن أفكاره ورغباته للأشخاص المقربين، ليأتي دور أخصائي التخاطب والذي يحسن من طريقة كلام المريض كما يعينه على فهم كلمات الآخرين.
الحصول على الدعم الأسري
ينجح مريض التوحد في التحكم قدر الإمكان في أعراضه المزمنة، حينما يحصل على الدعم النفسي المطلوب من أقرب الأشخاص حوله، حيث يحفزه ذلك العلاج ويعوده على التعامل الآمن مع البشر جميعًا، لذا تأتي أهمية حضور الأهل لجلسات نفسية بهدف إدراك أهمية دعم الابن، وكيفية القيام بذلك بنجاح.
تناول الأدوية العلاجية
على الرغم من عدم وجود علاجات دوائية قادرة على شفاء المصابين بالاضطرابات، إلا أنه ينصح أحيانًا بالحصول على بعض العلاجات لمقاومة أعراض أزمات أخرى تصيبهم، مثل الاكتئاب والقلق والسلوكيات القهرية.
دور الأسرة في التعامل مع طفل طيف التوحد
تحتاج أسرة المريض كما سبق أن ذكرنا، إلى الجلوس مع الأطباء النفسيين لفهم طبيعة الأزمة وتعلم كيفية التعامل مع فرد الأسرة المصاب، لذا تأتي أهمية الالتزام بالخطوات التالية:
- التحفيز الدائم للمريض مع عدم وضع الضغوط أو توجيه اللوم إليه مهما كانت الظروف.
- القراءة بشكل دائم عن اضطرابات طيف التوحد وما يمكن للعلم التوصل إليه لعلاجها.
- التواصل بصورة مستمرة مع عائلات أطفال التوحد، لكسب المزيد من الخبرات والدعم منهم.
- الحصول على بعض أوقات الراحة والهدوء، من أجل عدم المعاناة النفسية جراء الدعم الدائم للطفل.
- زيارة الطبيب النفسي إن بدت الضغوط متعددة وقاسية ولا يمكن تحملها.
في كل الأحوال، يبقى مرض طيف التوحد، من بين الاضطرابات الذهنية شديدة الإضرار بحال المصابين بها، لذا ينصح دومًا بمراقبة الطفل الصغير بعد الولادة، مع السعي إلى كشف أسرار أي من الأعراض التي يعاني منها دون تأجيل، حتى يمكن الاستفادة من العلاج السريع للأزمة التي يمر بها.