دائمًا ما تلتقط عدسات الكاميرات أسراب الطيور المهاجرة وهي تتنقل فوق المحيطات بمواسم الهجرة الخاصة بها، والتي عادةً ما تكون مشاهد مُلهمة تَنُم عن إبداع الخالق وتسييره لهذا الكون الفسيح.
بنفس الصدد، تتصاعد في الأذهان أسئلة حول القدرات الحقيقية لهذه الطيور، التي تُمكنها -بشكل ما- من توجيه دفتها صوب وجهة محددة، والأهم من ذلك؛ أسئلة حول قدرتها الخارقة على قطع أميال طويلة دون راحة أو توقف.
كيف تُبحر الطيور المهاجرة؟
كمعلومةٍ مبدئية، يستخدم حوالي 50 نوعًا من الحيوانات، بدءًا من الطيور والثدييات إلى الزواحف والحشرات، المجال المغناطيسي للأرض في الملاحة.
ومع ذلك، فإن المجال المغناطيسي للأرض ضعيف للغاية، يتراوح بين ما يقرب من 30 إلى 60 جزءا من المليون من «تسلا»، وحتى نضع ذلك الرقم في سياق؛ يستخدم التصوير بالرنين المغناطيسي مجالات مغناطيسية تتراوح ما بين 1.5 إلى 3 «تسلا». بالتالي، كان على العلماء البحث عن السر خلف استخدامها للمجال المغناطيسي للأرض أثناء التحليق في السماء.
اقرأ أيضًا: الذكر أجمل من الأنثى.. وأغرب الحقائق عن الطاووس
نظرية ضعيفة
بهذا الصدد، أوضحت بعض الأبحاث أنّ البوصلة الكيميائية الضوئية قد تحاكي كيفية استخدام الطيور المهاجرة للحقل المغناطيسي -جنبًا إلى جنب مع الضوء- للتنقل.
لذلك تمت صياغة أولى النظريات بشأن «ملاحة الطيور المهاجرة»؛ بافتراض أن المستقبلات الضوئية في شبكية عين الطائر تمتص الضوء، مما يتسبب في تفاعل كيميائي ينتج بدوره أنواعًا كيميائية ضوئية قصيرة العمر حساسة لحجم واتجاه مجال مغناطيسي ضعيف.
وهذه الفكرة مدعومة بحقيقة أن مستقبلات للضوء الأزرق قد سبق وتم اكتشافها في شبكية العين، عندما تقوم بالتوجيه المغناطيسي.
تأكيدات
بالعام 2008، نشرت مجلة «Nature» دراسة تؤكد إمكانية كون شبكيتها حساسة تجاه مجالات مغناطيسية ضعيفة، عند التعرُّض للضوء، وفي شرح مختصر لهذه القصة، أضاف الفريق القائم على هذه الدراسة أن الطيور المهاجرة تستخدم المجالات المغناطيسية الضعيفة -عند التعرُّض لضوء الشمس- لتُنتج ما يُشبه بوصلة خاصة بها.
تحذير
ومن هذا المُنطلق يُحذر العلماء من بناء خطوط الكهرباء التي تساهم في إنتاج مجالات مغناطيسية ضعيفة في طريق المسارات التي تسلكها، لأنها من الممكن أن تُعطل ما يعرف بالـ«ملاحة الحيوانية» أثناء مواسم الهجرة الجماعية عن غير عمدٍ.
متى تنام الطيور المهاجرة؟
بعد أن أجبنا على السؤال الخاص بالملاحة، نتطرق إلى السؤال الأهم؛ وهو كيفية قطع الطيور المهاجرة لأميال طويلة دون توقّف.
بشكل عام، تمكن العلماء بوقت سابق من ملاحظة الطيور وهي تنام في منتصف رحلات الهجرة الخاصة بها، ولكن على الرغم من ذلك، أظهرت بعض الأبحاث الحديثة أن الطريقة التي تغفو بها في الهواء هي أغرب بكثير مما كنا نتوقعه في أي وقت مضى.
اقرأ أيضًا: البطريق والكاسوري.. 5 أنواع من الطيور لا يمكنها الطيران
نصف دماغ
قبل سنوات، لوحظ أن الطيور الأرضية -مثل البط- يمكنها بشكل ما إراحة أحد نصفي الدماغ وإبقاء النصف الآخر مستيقظًا، تجنبًا لهجمات الحيوانات المفترسة. وبنفس المنطق، ساد الاعتقاد -دون تأكيدات علمية- بأن الطيور المهاجرة تتبع نفس النهج أثناء رحلات الهجرة.
من خلال قياس نشاط الدماغ لطيور الفرقاطة؛ وهي طيور بحرية معروفة بأنها تطير لأسابيع في المرة الواحدة فوق المحيط بحثًا عن الأسماك، وجد المختصون أن تلك الطيور يمكن أن تغلق أدمغتها أثناء الرحلة كما كان متوقعا.
لكن بشكل مدهش اتضح أنها أيضًا يمكنها إراحة نصفي الدماغ بالكامل، وهو أمر لم يتوقع العلماء أن يتمكنوا من القيام به أثناء بقائها في الجو.
كيف تحلق الطيور المهاجرة وهي نائمة؟
طور فريق من معهد «ماكس بلانك» لعلم الطيور في ألمانيا جهازًا صغيرًا كان قادرًا على قياس التغيرات الكهربية للدماغ (EEG) في نشاط دماغ الطيور المهاجرة؛ يمكنه تحديد نوبات النوم، سواءً كانت طويلة أو قصيرة، ومن ثم تم ربطه بنحو 15 أنثى بالغة من طائر الفرقاطة.
سجل الفريق نشاط دماغها على مدى 10 أيام، بعد أكثر من 3000 كيلومتر من الطيران، بينما قام جهاز (GPS) بتتبع موقع الطيور وارتفاعها.
كانت النتائج مدهشة، حيث أوضحت النتائج ما كان متوقعًا في البداية وهو إراحة الطيور لنصف أدمغتها لدقائق، وهذا ما أوضحه الباحث «نيلز راتينبورج» حين قال: “ربما تراقب طيور الفرقاطة الطيور الأخرى لمنع الاصطدام مثل البط الذي يراقب الحيوانات المفترسة”.
اقرأ أيضًا: طيور لا تتأثر بالكهرباء.. وحقائق يمنعنا الكسل من البحث عنها
مفاجأة
المفاجأة كانت عند تفريغ تسجيلات ما يعرف بـ«مخططات كهربية الدماغ»، التي أظهرت دخول نصفي دماغ الطيور المهاجرة في نوبات من النوم بنفس الوقت، مما يشير -بشكل غير متوقع- إلى أن الطيور كانت قادرة على الحفاظ على التحكم الديناميكي الهوائي حتى عندما يكون دماغها بأكمله نائمًا.
ولوحظ أيضًا أنّه أثناء هذه النوبات من النوم، ظلّت الطيور محمولة في الهواء، على الرغم من الاسترخاء الملحوظ الذي أثبته تدلي الرأس بشكل طفيف.
هنا، يعتقد الباحثون أنّ الطيور المهاجرة خصوصًا وبشكل عام ربما تمتلك ما يمتلكه سائر الثدييات بما فيها الإنسان، حيث يمكنها أن تتأقلم مع اختلاف مواضع النوم، وهو ما يفشل فيه البشر بشكل واضح. لكن هذا يظل لغزًا لم يستطع العلم الإجابة عليه حتى اللحظة.
تظل مشاهدة الطيور المهاجرة تحلّق فوق المحيطات ساحرةً، لكن ربما تبدو الآن أكثر سحرًا؛ لأنها -بشكل ساخر- يمكنها التحليق والوصول لهدفها القادم، دون أن تفوّت فرصة أخذ قيلولة.