طبقا لعلماء الأحياء، تتعدد أسباب غزو الجراد لأي منطقة، لكن بشكل عام، يوضّح ازدياد أعداد الجراد في أي إقليم ظاهرة تقلُّب المناخ، وغياب العدو الطبيعي -الطيور- التي تتعرَّض في الغالب لعمليات إبادة ممنهجة.
وبما أنّنا نتحدث عن الإبادة، وفي عالم يشهد انقراض نوع من الكائنات الحية كل 30 دقيقة في المتوسط، شهد عام 1875، وتحديدًا في نيبراسكا بأمريكا، طبقا لمعظم الشهادات، غزو الجراد الأعظم في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، بل ربما في التاريخ. فما هي قصته؟
أضرار الجراد
قبل الحديث عن غزو الجراد الأمريكي عام 1875، تجدُر الإشارة إلى أنّ الجراد يعد آفةً مؤرقة للبشرية على مر التاريخ، حيث تتسبب أسراب الجراد بشكل عام في عدّة أضرار ومنها ما يلي:
أضرار زراعية
بديهيا، يتسبب غزو الجراد لأي منطقة في انهيار للأراضي الزراعية، حيث يتغذى على المحاصيل المزروعة، يُدمر الأشجار، والأهم؛ يفسد النباتات فيما بعد، بسبب إفرازاته الضارّة.
أضرار اقتصادية
عند حدوث هذا الغزو، توجّه الدول كافة مقدراتها لمكافحة الأزمة، وبشكل يشبه تأثير الدومينو، يتم إهمال ملفات مهمة أخرى مثل رعاية الطفل والصحة، بالتالي تتفاقم الأزمة وقد يتطلب التعافي من تداعياتها مليارات الدولارات.
غزو الجراد الأمريكي
جمع المؤرخون وعلماء الحشرات بيانات ضخمة حول غزو الجراد لمنطقة نيبراسكا، باستخدام الروايات المباشرة للأشخاص الذين تواجدوا في محل الحدث عام 1875.
وفقا لهذه الروايات التي تم جمعها، كان حجم سرب الجراد غير مسبوق، حيث بلغ طوله 1800 ميل وعرضه 110 أميال على أقل تقدير، وحلق الجراد فوق ولاية نيبراسكا لمدة 5 أيام.
بينما تُخبرنا موسوعة “جينيس” للأرقام القياسية أنّ غزو الجراد للولايات المتحدة في سبعينيات القرن الـ19 كان ربما أعظم تجمع حيواني على الإطلاق؛ والذي ضَمّ نحو 12.5 تريليون حشرة، تسببت في دمار المزارع، التي تركها مزارعوها وفرّوا هربا من هول الحدث، ويأسهم من جدوى تدارك الموقف بالأساليب التقليدية.
من جانبها، نقلت الكاتبة الأمريكية “لورا إينغلس وايلدر” ما حدث لاحقًا عبر رواية خيالية عن الفوضى التي حدثت في السبعينيات في روايتها “على ضفاف بلوم كريك”، والتي نشرت عام 1937.
تاريخ من الأزمات
في الواقع، غزو الجراد بأعداد مهولة لم يكُن مفاجئا لسكان هذه المنطقة من العالم، فلسنوات، كان جراد “جبال روكي” مؤرقا للمزارعين والسكان المحليين، حيث لم يكتفِ بتدمير المحاصيل الزراعية، لكنه كان بمثابة آلة تدميرية لكل ما يقابله، وسواءً كان يمكن للجراد أن يتغذى عليه أو لا.
في المقابل، كان الأطفال يتذمرون من الحشرات التي تنبش سراويلهم، ويحاولون بأكبر قدر التخلّص منها بدهسها تحت أقدامهم، بينما استخدم المزارعون البنادق بهدف قتلها، مع إشعال النيران في بقع لحرق الحشرات حية إن أمكن ذلك.
ربما كان جراد جبال روكي حالة خاصة، مختلفا تماما عن الجراد المتعارف عليه، له أرجل قوية قصيرة وجسم بني لامع على عكس الجراد الأخضر المورق.
انقراض جراد جبال روكي
بعد غزو الجراد لأمريكا بنحو 28 عاما فقط، انقرض هذا النوع تماما، هذا النوع الأمريكي الخالص، الذي لم يسكن أي أرض أخرى، واجتاح وديان الأنهار الخصبة في الغرب على جانبي جبال روكي، التي كانت أرضه الغذائية، ثم موقع تدميره ونهايته كما اتضح لاحقًا.
في محاولة لتفسير هذا الانقراض السريع، يوضح عالم الحشرات “جيفري لوكوود” أن هذا حدث بسبب عدد من الأسباب المعقولة، التي تتعلق أساسًا بالتدمير غير المقصود بفعل الإنسان في مناطق التكاثر الدائمة للجراد في الغرب، حيث كانت إناث الجراد تضع آلاف البيض في الأرض.
من جهة، وبسبب استخدام المزارعين لهذه الأراضي وحرثها، تم تدمير البيض -أي توقُّف عملية التكاثُر الطبيعية- ومن جهة أخرى أدت ملاحقة المزارعين والسكان للجراد بالبنادق والنيران إلى الحد من الأعداد الموجودة على قيد الحياة، وبين هذا وذاك، استغرق الأمر نحو 28 عاما، لتنتهي قصة غزو الجراد الأمريكي.
نهاية القصة؟
بلا شك، كان اختفاء جراد جبال روكي خبرا سعيدا، وما يؤكد ذلك هو أنّ كُل ما تم جمعه عنها على مدار أكثر من قرن بعد اختفائها لا يكفي لتحليل سلوكياتها أو حتى إمكانية وجودها بمكان آخر، أو تحديد الأسباب الحقيقية خلف انقراضها بشكلٍ جماعي.
ومع ذلك، يقترح علماء الحشرات أن أكبر موطن طبيعي لهذا النوع من الجراد موجود في الأنهار الجليدية المتجمدة في جبال روكي، حيث كشفت رحلة الدكتور “لوكوود” الاستكشافية عن كتل من الأجنحة المكسورة والأرجل المتشابكة في هذه البقعة من العالم، فيما أكدت الحفريات أن عمر هذا النوع يعود لنحو 800 عام.
أطلق علماء الحشرات على هذا النوع من الجراد اسم “Caloptenus Spretus” وتعني “Spretus” في اللغة اليونانية “محتقر”، وهي ما يتناسب ضمنيا مع سمعة هذا النوع من الحشرات.
في الواقع، لا يزال علماء الحشرات متمسكين باحتمالية حالمة، وهي وجود موطن آخر طبيعي لهذا النوع بمكان ما على سطح الأرض، وهو ما يروه أمرًا ممكنا، وفقا لقوانين الاحتمالات.
أنواع الجراد الأكثر ضررا
من حيث الضرر، وبما أننا لا نمتلك الكثير من المعلومات حول جراد جبال روكي، فيما يلي نستعرض أبرز أنواع الجراد الأكثر ضررا، والتي لا تزال بيننا حتى اللحظة.
الجراد الصحراوي
يعد الجراد الصحراوي المهاجر أحد أكثر الأنواع المضرة للمحاصيل الزراعية، حيث يتغذى سرب واحد منه (80 مليون جرادة) على ما يدنو من غذاء 35 ألف إنسان، وتتكاثر بمعدل 20 ضعفا كل 8 أسابيع، الأمر الذي يجعل ملاحقته أمرًا أشبه بالمستحيل.
الجراد الإفريقي المهاجر
يتغذّى الجراد الإفريقي المهاجر على الحشائش والأعشاب البرية والأراضي الجرداء، وعلى الرغم من كونه أحد أكثر الأنواع فتكا، فآخر غزو لهذا النوع كان في عام 1940.
وما بين تمنيّات “علمية” باكتشاف أعداد مختبئة من جراد جبال روكي، وبين أخرى ترفض تكرار هذه الأزمة، تظل قصة غزو الجراد الأمريكي الشاهد الوحيد على تواجد هذا النوع الفريد من الكائنات الحية على وجه الأرض.