في عام 2016، صوّت نحو 17 مليون بريطاني، بنسبة 51.9% من إجمالي عدد المصوتين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وبعد مفاوضاتٍ دامت لنحو 4 سنواتٍ، توصّلت المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي لصيغة نهائية للتعامل السياسي، التجاري والإقتصادي بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي في 24 من ديسمبر 2020.
بموجب هذه الاتفاقية، التي عرفت باسم “بريكست”، انتهت سياسة حرية التنقُّل ما بين بريطانيا ومواطني الاتحاد الأوروبي، كذلك عقود العمل، وخلافه من المميزات المتبادلة بين دول الاتحاد الأعضاء.
بالتأكيد، نالت كرة القدم من هذه الاتفاقية جانبًا. ويبدو أن كرة القدم الإنجليزية في طريقها لتغيير جذري، حتى ولو لم يلحظ المتابع العادي هذا التأثير. فكيف يحدث ذلك؟
نظام النقاط
مع دخول اتفاقية البريكست حيز التنفيذ في يناير 2021، طرأت تغييرات عديدة على مختلف الصناعات، وإحدى هذه الصناعات هي صناعة كرة القدم، حيث أدى انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي إلى إضافة عقبات تتعلّق باستقدام المواهب الشابة الواعدة إلى دوريات بريطانيا المحترفة، وخصوصًا الدوري الإنجليزي الممتاز “بريمييرليغ”.
في المواسم الـ5 التي سبقت موسم “البريكست”، أنفقت أندية البريمييرليغ الثرية نحو أكثر من 6.6 مليار جنيها استرلينيا على الانتقالات، في حين شهد موسم الانتقالات الشتوي “يناير 2021” إنفاق الأندية نفسها حوالي 45 مليون جنيها استرلينيا على اللاعبين الذين يلعبون لأندية غير إنجليزية. وهذا ما يجعلنا نتشكك، هل لا زالت الأندية تعاني من تداعيات فيروس كورونا، أم أن العراقيل الجديدة الناتجة عن تفعيل اتفاقية البريكست لها يد في ذلك التراجع؟
طبقا لـ”داريل ريجبي”، الذي يعمل بأحد مكاتب إرشادات الهجرة بالمملكة المتحدة، أضاف التغيير الناتج عن البريكست خطوات أكثر بيروقراطية على انتقالات اللاعبين الدوليين.
حيث اتفقت وزارة الداخلية الإنجليزية مع الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم على ضرورة تخطي اللاعبين الدوليين الراغبين في الالتحاق بأحد أندية الدوري الإنجليزي الممتاز أو التشامبيون شيب لنظام النقاط المعروف بـ”GBE”، حتى يتمكنّوا من الحصول على تصاريح العمل.
حسب موقع “ذي أثليتيك”، نظام الـ”GBE”، هو نظام قائم على النقاط، يحتاج فيه اللاعبون إلى تحصيل 15 نقطة على الأقل ليكونوا مؤهلين للعب لفريق ينشط بالبريمييرليغ أو التشامبيون شيب.
بالتالي أصبح لزامًا على اللاعبين تحت مظلة الاتحاد الأوروبي اجتياز هذا النظام بطريقة مماثلة للاعبين القادمين من أندية تابعة لاتحادات إفريقيا أو أمريكا الجنوبية.
كيف يصبح اللاعب مؤهلًا؟
في نفس التقرير، اتضح أن حصول اللاعب الأوروبي على تصريح عمل يمكنّه من اللعب في الدوري الإنجليزي الممتاز بعد البريكست أصبح أكثر تعقيدًا، بحيث يتعيّن على اللاعب تحصيل 15 نقطة أو أكثر، يتم تحديدها وفقًا للمعايير التالية.
- تصنيف الدوري الذي شارك فيه بآخر مواسمه.
- المشاركات الدولية الخاصة باللاعب.
- عدد الدقائق التي حصل عليها مع ناديه الأخير.
- ترتيب فريقه الأخير بالدوري المحلي.
- مشاركاته القارية مع فريقه الأخير.
- تصنيف ناديه الأخير قاريًا.
اقرأ أيضًا: فرانكو وهتلر وآخرون.. عندما يستغل السياسيون نفوذهم في كرة القدم
مستقبل الكرة الإنجليزية
في تقرير بعنوان “ماذا يعني البريكست لمستقبل الكرة الإنجليزية؟”، أوضح “إيد أرونز”، محرر غارديان البريطانية أنّ مع خضوع جميع الانتقالات القادمة من الاتحاد الأوروبي لنظام النقاط، ومنع الأندية الإنجليزية من استقدام لاعبين أجانب -دون 18 عامًا قد يترك أثرًا إيجابيا على الكرة الإنجليزية، عكس ما يشاع.
استند أرونز في تكوين وجهة نظره على محادثات مع بعض المتخصصين في مجال وكالة اللاعبين، حيث أكّد له وكيل لاعبين يدعى “آرون ريدموند” أن الشيء الإيجابي الوحيد الذي يمكن الإشارة إليه فيما يخص انتقالات اللاعبين في حقبة ما بعد البريكست، هو اضطرار الأندية الإنجليزية لمنح لاعبيها الشباب دقائق أكثر تعينهم على التطور والاحتكاك مع لاعبي الدوري الممتاز.
فوفقًا للقرارات المستحدثة، على اللاعبين الشباب الأجانب من كافة دول الاتحاد الأوروبي أن يخضعوا للمنافسة عبر نظام النقاط، وهو ما يجعل حصولهم على تصاريح العمل بإنجلترا أصعب، بالتالي ستلجأ الأندية الإنجليزية إلى التفتيش بالسوق المحلية عن مواهب حقيقية بدلًا من استيرادها من الخارج، كما كان الحال قبل البريكست.
“إنه شيء جيد للمواهب الإنجليزية، لأن هذه القرارات ستجعل الأندية أكثر تركيزًا على استقطاب المواهب المحلية، وهذا ما سيعطي قيمة مضاعفة للأندية التي تعمل كمفرخة للمواهب مثل بريمنجهام وغيرها”
“لذا، إذا استهدفت الأندية الكبيرة هؤلاء اللاعبين، فإن الأموال ستتدفق عبر هرم الكرة الإنجليزي. إذا كانت الأندية الأقل مواردًا مثل برمنغهام وتشارلتون وإكستر تنتج بالفعل لاعبين من الطراز العالمي، تخيل ماذا يمكنهم أن يفعلوا بمزيد من الأموال؟”
-أحد مدربي فرق الشباب الذي رفض أن يفصح عن اسمه.
طريق آخر
في الواقع، ربما تقود حزمة التعقيدات الناتجة عن البريكست إلى تطوير حقيقي للكرة الإنجليزية، أو بالأحرى تطوير المواهب الإنجليزية الواعدة، ومع ذلك، قد يحدث العكس تمامًا، لكن كيف؟
في الواقع، اعتادت أندية الدوري الإنجليزي استقطاب المواهب الأوروبية في سنٍ صغيرة مستفيدة من قانون العمل بالاتحاد الأوروبي، لكن بعد البريكست، ربما تبدأ الأندية في اقتحام أسواقٍ جديدة تعذّر الوصول إليها في السابق.
يعتقد كريستوفر بلير، الذي يمتلك شركة تعمل كوسيط لانتقال اللاعبين من أمريكا الجنوبية لأوروبا، أن القواعد الجديدة التي ستحرم الأندية الإنجليزية بسببها من التعاقد مع لاعبين شباب أوروبيين بسبب عدم اجتيازهم لنظام النقاط ستفتح بابًا للّاعبين اللاتينيين من أجل ملء هذا الفراغ.
حسب بلير، لن تتأثر الأندية الإنجليزية الكبرى بهذه القرارات، لكن بالنسبة لأندية وسط وأسفل الترتيب، والتي كانت تستهدف أسواق مثل: أوروبا الوسطى أو الدول الاسكندنافية أو الأقسام الثانية لفرنسا أو إسبانيا أو ألمانيا قد تضطر إلى تغيير مسارها، ما يجعل أمريكا الجنوبية خيار أكثر ملائمة.
يبدو هذا الطرح منطقيًا بالفعل، فطبقا لنظام “GBE” تمنح البطولات البرازيلية والأرجنتينية والكولومبية المحلية، وكذلك منافسات الأندية القارية في أمريكا الجنوبية مثل: كوبا ليبرتادوريس وكوبا سودامريكانا نقاطًا عالية نسبيًا. بالتالي يصبح من السهل على اللاعبين مراكمة عدد مناسب من النقاط يؤهلهم لاستخراج تصاريح العمل بإنجلترا.
لكن الأهم بهذا الشأن هو أنّ أندية أمريكا الجنوبية لا تغالي في أثمان بيع اللاعبين مقارنة بالأرقام الباهظة التي تطلبها الأندية الأوروبية نظير بيع لاعبيها الواعدين.
وفقًا لمالي كويدو، العضو المنتدب لشركة “Sporting 11” والوسيط المسجل لدى الاتحاد الإنجليزي والذي يمثل الأندية البريطانية في مفاوضات الانتقالات مع أندية أمريكا الجنوبية، فالأندية الأكثر حكمة مثل برايتون وبرينتفورد والتي تستخدم شبكات معقدة لاكتشاف المواهب ستلجأ في المستقبل للسوق اللاتيتني.
في رأيه، يرجع هذا لأن الأسماء الأوروبية الواعدة التي تستطيع استخراج تصاريح للعمل غالبًا ستكون محط استهداف من الأندية الإنجليزية الكبرى، ما يعني مزادًا علنيًا للظفر بخدمات هذه المواهب.
لذا يرى كويدو أن استقطاب مواهب أمريكا الجنوبية -باستثناء البرازيل والأرجنتين- يبدو استثمار المستقبل، الذي قد يجعل الأندية الأقل دخلًا في حل عن منافسة الأندية الكبرى على مواهب أوروبا الواعدة، لسببين؛ الأول هو قلة المقابل نظير شراء عقود اللاعبين، والثاني هو سهولة حصول هؤلاء اللاعبين على تصاريح عمل مقارنة باللاعبين القادمين من دوريات أقل تصنيفًا مثل دول وسط أوروبا وإسكندنافيا.
في النهاية، لا شك في أن إنجلترا تأثرت بقرار الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، لكن السؤال: هل تستفيد إنجلترا بتطوير قاعدة ناشئيها، أم يتأثر الدوري الإنجليزي سلبًا نتيجة للقيود الجديدة المفروضة؟
مصادر:
١- البريكست: ما تريد أن تعرفه عن مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي.
٢- أثر البريكست على الانتقالات داخل المملكة المتحدة وأوروبا.
٣- ماذا يعني البريكست لمستقبل الكرة الإنجليزية؟
٤- ذي أثليتيك: كيف تستخرج الأندية تصاريح العمل للّاعبين الأجانب؟
٥- كيف يصبح اللاعب مؤهلًا للحصول على تصريح عمل بإنجلترا؟
٦- يمكن أن يساعد البريكست على تدفق اللاعبين من أمريكا الجنوبية إلى إنجلترا.
اقرأ أيضًا: