رياضة

ثعالب تسمانيا.. قصة احتكار بايرن ميونخ للدوري الألماني

هل سبق وسمعت عن أزمة ثعالب تسمانيا؟ مع انتقالهم لمستعمراتهم الجديدة بأستراليا بالنصف الأول من القرن التاسع عشر، اصطحب البريطانيون فصيلة جديدة من الثعالب التي اعتادوا صيدها في بلادهم. 

أُطلقت الثعالب في الطبيعة حتى تتكاثر، ومن ثم يتمكَّن البريطانيون المهاجرون من استخدامها كفرائس لهواة رياضة الصيد. لكن الأزمة هي أنّ فصيلة الثعالب الجديدة أخلّت بالنظام البيئي، وتسببت في انقراض نحو 10 أنواع من الكائنات الحية. 

تمثل هذه القصة القول المأثور “الطريق للجحيم مفروش بالنوايا الحسنة”؛ لم يكن البريطانيون يسعون بالفعل للإخلال بالنظام البيئي ولا تهديد حياة أي كائن حي، على العكس تمامًا كانوا فقط يرغبون في ممارسة الرياضة الي اعتادوا ممارستها في بلادهم. لكن شتان ما بين النوايا وبين ما حدث على أرض الواقع. 

ما علاقة هذه القصة ببايرن ميونخ والدوري الألماني؟ دعنا نخبرك. 

احتكار 

منذ موسم 2011/2012، لم ينجح أي فريق في التتويج بلقب الدوري الألماني سوى بايرن ميونخ. وإذا كنت تعتقد أنّ هذه الإحصائية عابرة، ربما يجب أن تُدرك أنّ هذا الإنجاز -إن صح التعبير- لم ينجح في تحقيقه سوى أبطال دوريات مثل جبل طارق، الأردن، بيلاروسيا، كرواتيا، لبنان، وبعض أبطال جزر الكاريبي. 

بشكل عام، إنجاز مثل هذا يستحق الاحتفاء، ويؤكد على مثالية المنظومة الباڤارية، التي تأخُذ بالأسباب. ولكن هل يعني أنّ ما يحدث منطقيًا؟ 

يعتقد يورجن كلينسمان، اللاعب السابق لبايرن ميونخ الألماني، أنّ احتكار الفريق الباڤاري للدوري الألماني هو نتيجة لامتيازات راكمها على مدار عشرين أو ثلاثين عامًا سابقةٍ، جعلته وجهة مفضلة لأفضل مواهب ألمانيا وواجهة لأهم الرعاة. 

طبقا لأولاف ثون، لاعب شالكه وبايرن الأسبق، فلسفة بايرن ميونخ، تقوم بالأساس على إضعاف منافسيه بالدوري، عن طريق التعاقد مع أبرز لاعبيهم ومدربيهم إن لزم الأمر، وهو ما يقتل أي فرصة للمنافسة، متسلحًا بالملاءة المالية التي يمتلكها النادي الأكبر في ألمانيا، وأحد أثرى أندية العالم. 

حسب التقديرات، وصل حجم إيرادات بايرن ميونخ عام 2021 لما يدنو من 620 مليون يورو، في حين كان مجموع إيرادات نادٍ مثل بوروسيا دورتموند، الذي أظهر رغبة في المنافسة على فترات متباعدة، ما يصل إلى 300 مليون يورو، أي النصف تقريبًا. بالتالي يمكنك تخيُّل حجم المعاناة التي تعيشها باقي أندية الدوري ماديًا مقارنة بعملاق ألمانيا. 

دوري بايرن ميونخ 

هنا يجب أن نتوقف للحظة، لا يمكن لوم إدارة بايرن ميونيخ على كونها إدارة ناجحة، تستطيع تعظيم قيمة النادي وزيادة موارده عبر اتفاقات وشراكات مع أبرز العلامات التجارية حول العالم. لكن هذه نصف القصة فقط. 

بايرن ميونخ
عوائد بايرن ميونخ من 2004 حتى 2021.

في العصر الحالي، تعد حقوق البث التلفزيوني أهم روافد الدخل للأندية، بالتالي حتى وإن لم تكن أندية الدوري الألماني قادرة على جذب رعاة كبار، يمكنها تسيير الأعمال عن طريق أرباح البث. أليس كذلك؟ 

يقوم نظام توزيع حقوق البث بالدوري الألماني وفقا لنظام عادل طبقا للمسؤولين، حيث يتم توزيع نسبة 25% بالتساوي بين كل الأندية، فيما يتم توزيع 50% وفقًا لنتائج الأندية آخر خمس سنوات، فيما تتبقى 25% يتم توزيعها على أساس المشاركات الأوروبية للأندية الألمانية. بالتأكيد وفقًا لهذا النظام يحصل بايرن ميونيخ على الحصة الأكبر من الكعكة. والمفارقة هذه ليست المشكلة الأساسية، التي قادتنا في النهاية لهذا الاحتكار. 

مع مرور الوقت، أصبح الدوري الألماني دوريًا أحاديًا، تتنافس الأندية داخله على المراكز بين الـ2 والـ18، وهذا ما جعل منه مُنتجًا غير قابل للتسويق، وهو الأمر الذي تؤكده الأرقام.

 على سبيل المثال في عام 2015، كان عوائد البث التلفزيوني للدوري الألماني أكبر من عوائد البث التلفزيوني للدوري الإسباني بنحو 300 مليون يورو. لكن في 2021، تبدَّل الحال، وأصبح الدوري الإسباني أكثر تحصيلها لعوائد البث مقارنة بنظيره الألماني بنحو 300 مليون يورو. 

وهذا ما يعيدنا لنقطة الصفر مجددًا، عوائد أقل، وفقا لنظام التوزيع القائم، تعني مداخيل أقل للأندية الألمانية. والسؤال أين الحل؟ 

ثعالب ألمانيا 

هل تتذكر قصة ثعالب تسمانيا التي افتتحنا بها حديثنا، يبدو الآن الوقت مناسبًا لتوضيح علاقتها باحتكار بايرن ميونيخ للدوري الألماني. 

في 1998، تم تأسيس قاعدة “50+1″، وهي قاعدة تنص على منح ترخيص اللعب في الدوري الألماني للأندية الذي يمتلك أعضاؤه أسهمًا تتخطى الـ50%. جوهر هذه القاعدة هو ضمان أن الأعضاء، بالتالي المشجعين، يمتلكون صوتًا وسيطرة حقيقية على قرارات الإدارة، تجنبًا للخضوع لمزاج المُلاك مثلما الحال في دوريات أخرى. 

بالفعل، تبدو هذه القاعدة متماشية جدًا مع الثقافة الألمانية، حيث تمثِّل كرة القدم مساحة ترفيه للجماهير، بالتالي؛ يراعي الأعضاء، الذين ينتمون للنادي بالأساس، قبل اتخاذ أي قرار مصلحة الجماهير. 

بايرن ميونخ

 تتضمّن هذه المراعاة، مراقبة أوجه الصرف في الانتقالات، الاستقرار الإداري، وأسعار التذاكر. الأمر الذي يعني باختصار اتصال شبه مباشر بين إدارة النادي وجماهيره. 

مع ذلك تمثل هذه القاعدة عائقا كبيرًا للأندية الألمانية في نفس الوقت؛ لأنها تحد من رغبة المستثمرين الأجانب أو المحليين في الاستثمار في النادي، لسبب بديهي جدًا، وهو استحالة تضحية مستثمر بأمواله في مخاطرة مثل الاستثمار في فريق كرة قدم دون أن يملك الحق في اتخاذ قرار. 

وبالتالي، فإن المصادر الرئيسية لتمويل الأندية الألمانية تقتصر على الإيرادات الناتجة عن الأنشطة التشغيلية مثل تذاكر المباريات ومبيعات القمصان وحقوق البث التلفزيوني، وهو ما لم يعد كافيًا للمنافسة بالعصر الحالي. 

بالتالي تلجأ الأندية الألمانية مرغمةً لبيع لاعبيها الموهوبين كضمان لإيجاد مصدر دخل إضافي سواء كان المشتري بايرن ميونخ أو أي نادٍ آخر خارج ألمانيا، وهو ما يعني استحالة تكوين فريق مستقر قادر على المنافسة بشكل مستدام. 

في فبراير 2018 قامت مجموعة “Pro Fans”، وهي مجموعة من مشجعي الدوري الألماني بتحذير القائمين على كرة القدم الألمانية من السماح بالاستثمارات الأجنبية داخل الدوري الألماني بالشكل الذي يخرق قاعدة الـ50+1. 

هذه هي المشكلة الرئيسية، وهي أن الجماهير نفسها هي من ترفُض الاستثمار داخل الدوري الألماني بحسن نيّة، تمامًا مثلما حدث في قصة ثعالب تسمانيا، التي انتهت بكارثة بيئية. والكارثة في حالتنا، قد تكون احتكار بايرن ميونخ للدوري الألماني لـ20 سنة قادمة، إلا إذا تغيَّر مزاج المشجعين. 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى