نحن ملتزمون بحماية صوتك ومساعدتك على الاتصال والمشاركة بأمان.
تزعم الشركة المالكة لتطبيقات التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، “إنستغرام” و”واتساب” أنّها مكّنت ملايين البشر حول العالم من إيصال صوتهم، لكنّها في نفس الوقت، تمتلك معايير مجتمعية تكافح أي خطاب يُحرِّض على الكراهية، العنف والتمييز بكُل أشكاله.
طبقا لهذه المعايير، تتعرف خوارزميات الشركة على هذه الخطابات، ومن ثَم تتخذ إجراءات تتأرجح بين إزالة المنشورات من الفضاء الإلكتروني وحظر الحسابات التي تُروِّج لها.
بالطبع، تبدو سياسة عظيمة للوهلة الأولى، لكن السؤال، هل تُطبِّق “ميتا” سياساتها بشأن خطابات الكراهية على الجميع بالتساوي؟ والأهم هل تختلف هذه المعايير بين منطقة وأخرى؟
قمع شركة ميتا
في مايو 2021، وبالتزامن مع الأحداث الذي شهدها “حي الشيخ جرَّاح” بفلسطين المُحتلة، والتي نتج عنها سقوط 265 شهيدًا فلسطينيًا منهم 66 طفلًا، طبقًا لمنظمة الأمم المُتحدة، حاولت بعض المُنظمات الحقوقية الفلسطينية أو الناطقة باللغة العربية توثيق الفظائع التي ارتكبها جيش الاحتلال ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي.
يعد “فيسبوك”، المملوك لشركة ميتا، أكثر تطبيقات التواصل الاجتماعي استخدامًا في محيط فلسطين التاريخية. بالتالي، حاول المؤثرون، الحقوقيون وكل من امتلك دليلًا مصورًا نشره على المنصة، كأداة بديلة للإعلام الرسمي الغربي الذي لا ينقل الحقيقة للعالم كاملةً.
لكن الغريب، طبقا لتقرير صدر عن منظمة “هيومان رايتس ووتش”، أنّه تم الإبلاغ عن مئات المنشورات والحسابات المحذوفة، حجب وتقييد وصول المحتوى العربي المتعلِّق بفلسطين الذي نشرته مؤسسات حقوقية وإخبارية رسمية. فيما كان الأكثر غرابة هو رفض إدارة “فيسبوك” التعليق على هذه البلاغات.
تعتقد “ديبورا براون”، الباحثة في الحقوق الرقمية، أن “فيسبوك” قَمَع المحتوى الفلسطيني المتعلِّق بحقوق الإنسان بشكل لا يمكن الجدال فيه. وهنا علينا أن نسأل سؤالًا منطقيا: هل كان المُحتوى نفسه مُحرضًا على العنف لذلك تم حجبه؟ الإجابة المباشرة هي لا، لكنّها تبدو أكثر تعقيدًا من مجرد لا.
خطأ غير مُتعمَّد
بسبب هذه الحادثة، أعلنت شركة “ميتا”، إجراء تحقيق بواسطة وكالة رقمية مُستقلة. تحديدًا بعد أن اعتذر نائب مدير الشركة للشؤون العالمية لرئيس الوزراء الفلسطيني، طبقًا لـ”بي بي سي” البريطانية، عن حجب المحتوى الذي ينقل حقيقة ما يحدُث على الأرض بشكل مُجحف.
خلُص التقرير، الذي حصلت عليه بعض المصادر الإعلامية بعد عام كامل إلى حقيقة أنّ الإجراءات التي اتخذتها شركة ميتا، المالكة لمنصتي فيسبوك وإنستغرام، كان لها تأثيرًا سلبيًا على حقوق المستخدمين الفلسطينيين والعرب بشكل عام في حرية التعبير عن الرأي والمشاركة السياسية وتبادل المعلومات المتعلقة بالأحداث الجارية بهذه المنطقة.
في الواقع، تجنَّب التقرير، الصادر عن وكالة “Business For Social Responsibility” المستقلة، اتهام شركة ميتا بالتواطؤ مع الطرف المُحتل بشكل مُتعمَّد، واكتفى بأن هذه الأخطاء التي أدّت إلى عزل المستخدمين الفلسطينيين وتقييد حريتهم الرقمية كانت خطأ غير مُتعمَّد؛ نتيجة لعدم قدرة خوارزميات وموظفي الشركة على تحديد مدى ملائمة المحتوى لمعايير المجتمع الخاصة بالشركة.
لكن في نفس الوقت، أشار التقرير إلى نقطة أكثر أهمية، وهي خضوع المحتوى العربي أثناء أحداث حي الشيخ جرَّاح لمراقبة أكثر صرامة من المحتوى العِبري الذي نُشر بشأن نفس الأحداث. إذن، هل تتواطأ شركة ميتا مع المُحتل؟
شركة ميتا.. الخصم والحكم
في 2018، قرر “مارك زوكربرغ”، مالك شركة ميتا، إنشاء مجلس الإشراف الخاص بفيسبوك، والذي يضم نحو 20 شخصًا من مختلف بلدان العالم، وهدفه هو العمل كلجنة مستقلة على النظر في الطعون المُقدمة من المستخدمين ضد قرارات ميتا بإزالة أي محتوى من منصاتها.
بالعودة مرة أخرى للصراع الفلسطيني ضد الكيان المُحتل، وطبقا لتحقيق أجرته “بي بي سي” البريطانية حول تحيُّز شركة ميتا ضد فلسطين، سأل مجلس الرقابة الخاص بفيسبوك عما إذا كانت الشركة قد تلقت طلبات رسمية أو غير رسمية من الطرف الإسرائيلي لإزالة المحتوى العربي خلال الفترة ما بين أبريل ومايو 2021. كان الرد هو عدم تلقي الشركة أي طلبات رسمية، فيما لم تتم الإجابة على السؤال بشأن تلقي طلبات غير رسمية. وهذا هو طرف الخيط بالمناسبة، ولكن علينا العودة بالزمن للخلف قليلًا.
في 2015، أنشأ الكيان الصهيوني مديرية السايبر الوطنية، لتعمل كجزء من وزارة العدل، بأمر مباشر من “بنيامين نتنياهو” رئيس الوزراء. وتعمل هذه الوحدات على التعامل مع مسؤولي منصات التواصل الاجتماعي، عبر تقديم طلبات لإزالة المحتوى الذي تراه الإدارات العسكرية والاستخباراتية الصهيونية مضرًا لمصالحها.
في الواقع، اتضَح نجاح هذه الوحدات السيبرانية جليًا حين امتثلت شركة ميتا لـ90% من الطلبات الخاصة بإزالة المحتوى العربي في 2019، طبقا للمدعي العام الإسرائيلي. لكن المشكلة لم تكن هي إزالة المحتوى الذي من الممكن أن يكون مخالفًا لمعايير ميتا بالفعل، لكن في آلية التنفيذ.
طبقا للمتخصصين، حتى يتم حجب أي محتوى رقمي، يُفترض أن تُقدِّم وحدة السايبر أمرًا من المحكمة العليا يؤكد على مخالفة المحتوى للقانون الإسرائيلي، لكن الوحدة تعتمد عوضًا عن ذلك على مناشدات لمجلس رقابة شركة ميتا. بالتالي، فآلية إنفاذ هذه القرارات تحرم المستخدم الفلسطيني أو العربي من سلسلة من الإجراءات القانونية الواجبة. لذا تتحوَّل معايير المجتمع إلى معايير انتقائية، لا تلتزم بأي سياق، وعادة ما تكون مرنة في مصلحة الطرف الأقوى.
بذكر الطرف الأقوى، يعتقد المتخصصون بالإعلام الرقمي أنّ إسرائيل ببساطة تمتلك نفوذًا وتأثيرًا على قرارات شركة ميتا أكبر من فلسطين. هذا ليس اتهامًا عشوائيًا، هل تتذكَّر مركز الرقابة على المحتوى الذي ذكرناه بوقت سابق؟
يضم هذا المجلس المكوَّن من 22 شخصًا سيدة إسرائيلية تدعى “إيمي بالمور”. وبالصُدفة، هذه السيدة كانت وزيرة العدل الإسرائيلية وقت إنشاء وحدة السايبر الإسرائيلية. في الحقيقة لا توجد مشكلة في جنسية هذه السيدة، فنفس المجلس يتضمَّن ناطقين باللغة العربية، لكن المشكلة في ارتباطها بشكل وثيق بحكومة الكيان المُحتل. هذا ما يعرف أكاديميًا بـ”المصافحة الخفية”.
المصافحة الخفية، هو مصطلح صكّه اثنان من الباحثين الإسرائيليين قبل سنوات، حيث توقعا شكل الاتفاق بين الحكومات وشركات الانترنت للسيطرة على المحتوى الرقمي. ولأن الحكومات -الحكومة الإسرائيلية في حالتنا- لا تمتلك غطاء قانوني للقيام بفرض حظر على المحتوى العربي والفلسطيني بشكل أخَص، يتم زرع أفراد داخل هذه الشركات كنوع من الضغط أو التحفيز لتبني وجهة نظر طرف بعينه على حساب الآخر.
لذا، فشركة ميتا ظاهريًا لا تنحاز لأي طرف بهذا الصراع، لكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها، هي أنّ الاتفاق الودي بين حكومة الكيان المحتل ومنصة التواصل الاجتماعي يلعب دورًا ليس فقط في قمع الرأي، لكن أيضًا في استمرار العدوان داخل أراضي فلسطين التاريخية.
المصادر:
1- تقرير فيسبوك يخلص إلى أن الرقابة على الشركات انتهكت حقوق الإنسان الفلسطيني (The Intercept)
2- إسرائيل/فلسطين: فيسبوك يفرض رقابة على مناقشة القضايا الحقوقية (Human Rights Watch)
3- فيسبوك يحتاج إلى مراجعة التحيُّز (BBC)
4- كيف تفرض وحدة إلكترونية سرية رقابة على الفلسطينيين؟ (American Prospect)
5- تعرَّف على أعضاء مجلس الإشراف (ميتا)
6- ما هو مجلس الإشراف على فيسبوك؟ (نيويورك تايمز)