مطلع القرن الماضي، ضربت عاصفة شديدة سفينة مليئة بالغواصين اليونانيين بالقرب من جزيرة أنتيكيثيرا الصغيرة، حيث قرروا الرسو والانتظار قليلا حتى ينتهي هذا الطقس القاسي، وبعد أن مرت العاصفة بسلام، قرر الغواصون تجربة حظهم ورؤية ما يمكنهم اصطياده من الجزيرة، غير مدركين للمفاجأة التي تنتظرهم تحت السطح، والمتمثلة في أول جهاز حاسوب تم اختراعه عبر التاريخ!
عاد أحد الغواصين بسرعة في حالة ذعر، مدعيا أنه رأى جثثا متحللة من حطام سفينة ملقاة في قاع المحيط، ما دفع الكابتن ديمتريوس كونتوس لإلقاء نظرة بنفسه، فرأى أيضا أطرافا متناثرة في الأعماق، لكنه أدرك بسرعة أنها تنتمي إلى تماثيل وليس إلى بشر.
وتبين أن السفينة القابعة في قاع المحيط والتي تحمل تلك التماثيل، واجهت عاصفة عاتية بالقرب من أنتيكيثيرا تماما مثل سفينة النقيب كونتوس، إلا أن هؤلاء البحارة البائسين قد انطلقوا في رحلة استكشافية قبل النقيب كونتوس وطاقمه بأكثر من ألفي عام، كما بينت العملات الموجودة في حطام السفينة، والتي تعود لعام 85 قبل الميلاد، وسارعت الحكومة اليونانية إلى البدء في استخراج كنوزها العديدة، التي كانت مخبأة في قاع المحيط لمدة ألفي عام.
انصب التركيز على استعادة التماثيل والتحف والعملات، وباقي المنقولات الأثرية التي كانت بالسفينة، ولم ينتبه أحد في البداية إلى قطعة من البرونز والخشب مائلة للاخضرار، إلا بعد أن فتحت عام 1902، لتتحول إلى أعظم كنز وجد بين حطام السفينة الغارقة على الإطلاق.
كان الجهاز القديم ذو المظهر المذهل والذي اتفق على تسميته “آلة أنتيكيثيرا“، يتألف في الأصل من 82 قطعة، بما في ذلك 30 ترسا متشابكا، وهي تقنية ميكانيكية معقدة لا يمكن رؤيتها مرة أخرى في أوروبا، وعلى الرغم من اندهاش علماء الآثار الأصليين مما اكتشفوه، إلا أن فحص تلك الآلة المعقدة بشكل دقيق لم يكن متاحا إلا بعد أن أصبحت تقنية أشعة إكس متوفرة، والتي كشفت تماما عن التكنولوجيا التي تغذي تلك الآلة، ما حدا بالبعض بتبني نظرية أن المخلوقات الفضائية هي التي اخترعتها، أو على الأقل ساعدت في إنشائها.
يشار إلى آلة أنتيكيثيرا بأنها “أول حاسوب في العالم”، وفي الواقع كانت الآلة تستخدم في علم الفلك، وبها مزولتان معدنيتان تعرضان البرج وأيام السنة، مع أدوات تشير إلى موقع الشمس والقمر والكواكب الخمسة التي كانت معروفة لدى اليونانيين (عطارد، والزهرة، والمريخ، والمشتري، وزحل).
صُنعت التروس والعجلات بتفاصيل دقيقة ومرهقة، وتم استخدام نسب العجلات المختلفة والتروس لمحاكاة الحركات المختلفة للأجرام السماوية، مثل دوران القمر حول الأرض، وكانت القياسات دقيقة للغاية لدرجة أنها مكنت المستخدمين من التنبؤ بالظواهر الجوية، مثل الكسوف وإظهار التغيرات الطورية للقمر وأمور أخرى، ما دفع العالم ديريك برايس المتخصص في تاريخ العلوم في جامعة يال الأمريكية، إلى الاستنتاج بأن الآلة عبارة عن كومبيوتر فلكي قادر على تخمين موقع الشمس والقمر على دائرة البروج السماوية في أي يوم كان، وأن آلة أنتيكيثيرا بالفعل كانت تحاكي النظام الشمسي المعروف.