لا يمكن اعتبار منظومة الساحرة المستديرة على المستوى الاحترافي، بأنها التعريف الأمثل لمفهوم الرياضة للجميع، والذي هو هدف وركيزة أساسية مثل الصحة والتعليم والنمو الاقتصادي في المجتمعات المتقدمة، أو للدول الطامحة لدخول دائرة ما يطلق عليه بالعالم الأول.
بل تندرج لعبة كرة القدم بشكلها المعاصر وربما منذ نشأة البطولات الكبرى، تحت مفهوم (صناعة الترفيه).. بالمعنى الإيجابي للترفيه، المتسق مع القيم الإنسانية السوية، بالطبع!
ومن هذا المنطلق تعد كرة القدم صناعة ثقيلة، وبالتالي هي من بين الطرق الحيوية التي تؤدي إلى التنمية المستدامة.. ولغة الأرقام التي لا تكذب خير دليل على ذلك.
فعلى سبيل المثال، يبلغ عدد اللاعبين البرازيليين المحترفين في الخارج أكثر من 20 ألف لاعب، وتبلغ قيمة المعاملات المالية لكرة القدم في البرازيل أكثر من 17 مليار دولار سنويا. وتساهم كرة القدم بنحو 5 % من إجمالي الدخل القومي، الأمر الذي مكن البرازيل من احتلالها المركز السادس ضمن قائمة الدول الأقوى اقتصاديا على مستوى العالم.
وبسبب غياب الشفافية والإحصاءات الدقيقة حول عدد اللاعبين الأفارقة المحترفين في جميع قارات العالم، يصعب تحديد نسب مساهمة سوق بيع هذا الكم الهائل من اللاعبين، في الاقتصاد القومي لدول القارة السمراء.
هذا وقد توقعت دراسة أجرتها لجنة الاتحاد الدولي لكرة القدم، المنظمة للمونديال، والتي أصبحت واقعا الآن، بأن تعزز البطولة نمو الاقتصاد الروسي بنحو 3 مليارات دولار سنويا على مدى 5 سنوات. وأوضحت اللجنة أن المونديال سيساهم في نمو الناتج المحلي الإجمالي لروسيا من 2.43 مليار دولار، إلى 3.4 مليار دولار سنويا. وكان الاقتصاد الروسي سجل نموا بنحو 1.5 % في العام الماضي بعد عامين من الانكماش الذي أعقب انهيار أسعار النفط.
وحسب تقرير أعدته مجموعة (ديلويت للاستشارات)، أوضح أن أندية البريميرليغ مجتمعة حققت أرباح تشغيلية مقدارها مليار جنيه إسترليني في موسم 2016/2017 قبل خصم الضرائب.
بالإضافة للأرباح المالية لبطولة مثل دوري أبطال أوروبا التي تصل إلى حوالي 1.2 مليار يورو للأندية المشاركة فيها سنويا”.
وقدمت مجلة فوربس قائمة تضم فقط 20 ناديا لكرة القدم، هم الأغلى فى العالم وبلغ متوسط قيمة الأندية الـ20، 1.69 مليار دولار.
ناهيك عن الفوائد السياسية والسياحية والاجتماعية والحالة المزاجية، وانعكاساتها ليس فقط على النمو الاقتصادي والبنية التحتية، بل في المساهمة الفعالة في تكوين صورة إيجابية عن الدول المنظمة والمحتضنة للبطولات الكبرى وما يمثله ذلك من قيمة مضافة كبيرة.
ومما يؤكد أننا نتحدث عن موضوع غاية في الجدية وليس هزل، له أبعاد أكبر مما نظن..
تحاول قاطرتا الاتحاد الأوروبي ألمانيا وفرنسا بلورة أفكار جديدة مثيرة، لتحويل بطولة كأس أمم أوروبا إلى نظام الدوري، في إطار مساعٍ استراتيجية حثيثة لزيادة التقارب بين دول الاتحاد، ودمج الشعوب المنضمة حديثا داخل المنظومة، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه لمنع تفكك وانهيار حلم القارة العجوز، في تجمعها من أجل البقاء داخل دائرة الصراع المحموم بين أقطاب العالم الكبرى.
أحاول قدر استطاعتي وقدراتي المحدودة، من خلال سلسلة من المقالات تحليل وتفكيك عناصر هذه الصناعة، للوقوف على السلبيات والمعوقات التي تقف حائل أمام دخولنا هذا العالم الواعد، الذي يرتكز في الأساس على الإنسان،، مما يمنحنا فرصة عظيمة سانحة للمنافسة!
ولن يحدث ذلك إلا بتغيير طريقة التفكير..
أولا، بالتخلص من إرهاصات أسر نظرية المؤامرة التي تسيطر على عقولنا، بأن هناك من يمنعنا عمدا من دخول حلبة سباق التطور المستعرة، حتى وإن كان هناك شواهد على ذلك!
للعلم، فإن كل العالم يتآمر على بعضه من أجل المصلحة، ومن أجل ضمان التفرد بالمعرفة ومحاولة احتكارها ليظل دائما لديه السبق.
ولكن، بالأخذ بالأسباب والعمل بالمنهج العلمي وتفعيل إرادة الانجاز، بحسن اختيار الكفاءات بعيدا عن المجاملات، سنصل لأهدافنا مثلما فعل آخرون.. كانوا في ظروف أصعب مما نعانيه الآن.
عندها سنستطيع الانتقال من مجرد مشاهد في مدرجات كأس العالم، إلى لاعب أساسي في المونديال العالمي في كل المجالات!