ينظر كثير من الخبراء والباحثين على مستوى العالم إلى الأنظمة التعليمية في بلدانهم على أنها غير صالحة، ويجب تغييرها لتناسب قدرات وعقليات الشعوب في تلك البلاد وتساعد على تنميتها، ولعل تصريحات السير كين روبنسون منذ سنوات عدة خير دليل على ذلك، فقد اعتبر أن النظام التعليمي في بريطانيا يتراجع ويحتاج إلى الإصلاح، وقد قدم الرجل دراسة استثنائية لذلك الهدف عن التفكير المتباعد.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية استدعت وكالة ناسا الباحثين جورج لاند وبيت جيرمان، بهدف إعداد برنامج لقياس القدرات العقلية والإبداعية لمهندسي الوكالة الفضائية، وبالفعل صمم العالمان برنامجا قياسيا وعلى مستوى عالٍ من الكفاءة والإبهار وقد كانت النتائج بعد تطبيقه جيدة، وتشير إلى قدرات إبداعية هائلة لدى مهندسي الوكالة وهو ما أسعد ناسا بكل تأكيد.
النظم التعليمية تقلل القدرات العقلية
إلا أن لاند وجيرمان لم يكتفيا بتنفيذ ذلك الاختبار على مهندسي وكالة ناسا فقط بل أرادا اكتشاف مصادر ذلك التفكير الإبداعي، وهو ما دفعهما إلى تطبيقه على أطفال في عمر الخامسة وكان عددهم 1600 طفل، وقد كانت النتائج مبهرة حقا فقد سجل 98% من هؤلاء الأطفال مستوى عبقريا، وهو ما أذهل الثنائي فقررا مد فترة ذلك الاختبار، وأجرياه مرة أخرى على نفس الأطفال بعد مرور خمس سنوات أخرى فكانت الصدمة، فقد قل الإبداع عندهم بمقدار 30% ثم انتظروا خمس سنوات أخرى حتى أصبحوا في المرحلة الإعدادية، وأعادوا تطبيق ذلك القياس فكانت الصدمة أكبر حيث قل بمقدار 68%، وعند تطبيقه على نفس المجموعة المكونة من 1600 في المرحلة الثانوية لاحظا أن الإبداع قل لديهم بمقدار 12%.
وأعاد الثنائي الاختبار على ذات المجموعة وهم في عمر 25 عاما، فلم يظل منهم سوى 2% فقط على ذات المستوى الإبداعي والعبقري الذي سجلوه في مرحلة الطفولة، واستنتجوا من ذلك أن النظم التعليمية قللت بالفعل من مستواهم التفكيري ومن قدراتهم الإبداعية، مع العلم أن القياس كرر على أكثر من مجموعة أخرى وفي ظروف مختلفة.
من أين تأتي القدرات العقلية الإبداعية
الإبداع والعبقرية يولدان داخل العقل ويظهران في خيال الإنسان الذي لا يمكن السيطرة عليه أو قتله، بل ويعيشان بداخل ذلك الخيال فهم لا يموتان بل يحتاجان فقط لإيقاظهما وهذا هو الخبر السار والجيد بالنسبة للشعوب، حيث أن السلطة الحاكمة لم تنجح في أن تميت تلك القدرات ولكنها أدخلتها فقط في سبات عميق، لذلك بقي كل شخص عبقري ويحمل العديد من القدرات العقلية وينتظر الوقت والفرصة المناسبة لتفجيرها من جديد.
كيفية إيقاظ القدرات العقلية الإبداعية
قدم جورج لاند وسائل عدة للحفاظ على تلك القدرات ومحاولة إيقاظها من جديد، متمثلة في أننا كبشر يجب أن نكون أكثر فضولا وتطلعا لفهم المزيد وأن نكون أقل انتقادا وتحكما في الأمور وحكما عليها، وأن نتخلص من الخوف والقلق من داخلنا، ويمكن أن تساعدنا ممارسة الرياضة على ذلك وبالأخص “اليوجا”، وأن نحافظ على نظام غذائي جيد يساعد على تقوية الخلايا العصبية في أجسادنا وتقويتها خاصة في الدماغ.
هذا بالإضافة إلى تحدي معتقداتنا التي حصلنا عليها من الأنظمة التعليمية والثقافية العقيمة، وتوسيع نظرتنا للعالم حولنا لاستيعاب تجارب جديدة، فنحن جميعا نجهل الكثير من الأمور في كثير ممن حولنا فيجب أن نتواضع ونتعلم من كل من لديه المعلومات والثقافة في أي مجال نجهله، وأن نتجنب إحاطة أنفسنا بهؤلاء الأشخاص ذوي التفكير الضيق، فنحن مازال لدينا الكثير لاكتشافه نتيجة ما حجبه عنا النظام التعليمي السيئ.
يجب علينا أيضا أن نبتعد عن مشاهدة البرامج التليفزيونية الإخبارية التي تبث في نفوسنا معتقدات تدفعنا إلى الخوف، ونتوقف عن متابعة المشاهير واللهث وراء أخبارهم فهو مجرد إلهاء لعقولنا ليس أكثر، وأيضا أن نترك الاستماع إلى المقطوعات الموسيقية والفيديوهات التي تعمق الصور النمطية الغبية في حياتنا وتدفعنا إلى الاستمرار في مستنقع حياتنا الضحلة، فأطلق العنان لخيالك و تذكر جيدا أن المال لديه سلطة وهمية ومحدودة وكذلك الحكومات، إلا أننا لدينا سلطات تفكيرية وإبداعية حقيقية وتتخطى كل الحدود.