عندما تخوض الجينات معركة ضد خلايا الجسد تصبح نتيجتها متوقعة؛ حيث إن مرض هنتنجتون هو مرض نادر يصيب شخصًا واحدًا من بين 100 ألف شخص لأسباب وراثية؛ فهل ذلك يعني الاستسلام له حتى يفتك بالجسد ويودي به إلى الوفاة؟ ليس هذا بالضبط ما نود إخبارك به، ولكن هناك بصيصا من الأمل يمكنك معرفته من خلال هذا الموضوع الذي سيعرض لك كل ما يخص داء هنتنغتون، وطرق الوقاية منه.
ما هو مرض هنتنجتون؟
هو مرض نادر يصيب الإنسان لعوامل وراثية ويحطم الخلايا العصبية الموجودة بالمخ؛ وبالتالي تبدأ الاضطرابات الحركية والنفسية والسلوكية والإدراكية بالظهور عليه؛ والجدير بالذكر أن تلك الأعراض تظهر عقب فترة الثلاثينات أو الأربعينات، وفي بعض الحالات قد تظهر قبل بلوغ المريض العشرين عامًا، وهو ما يُطلق عليه في تلك الحالة مرض هنتنغتون الشبابي، وتظهر عليه أعراض أولية تختلف عن الأعراض المتقدمة.
هل هناك أسباب للإصابة بمرض هنتنجتون؟
كما أشرنا إلى أن هذا المرض هو مرض وراثي يصيب الإنسان؛ بسبب حدوث خلل في أحد الجينات؛ بالإضافة إلى أنه اضطراب صبغي سائد، ويعني هذا أن توفر نسخة واحدة من هذا الجين كافية للتسبب في الإصابة بداء هنتنغتون، فهذا الخلل يصيب جين يُطلق عليه (HTT)، وتكمن مهمته في إنتاج بروتين يُدعى هنتنغتين، وهذا البروتين يحافظ على الخلايا العصبية بالمخ.
عندما يصاب جين (HTT) بخلل فيلاحظ تكرر جزء فيه بمعدل أكبر من الطبيعي، وزيادة هذا الجزء الذي يُطلق عليه (CAG) تؤدي إلى فرط إفراز بروتين الهنتنغتين الذي بدوره يدمر الخلايا العصبية نتيجة تراكمه، حيث يُلاحظ تكرار هذا الجزء في الشخص السليم بمعدل يتراوح بين 10 إلى 35 مرة؛ أما في حالة الإنسان المصاب فيتكرر هذا الجزء لديه بمعدل يتراوح بين 36 إلى 120 مرة، وتبدأ أعراض المرض في الظهور حينما يتكرر (CAG) لأكثر من 40 مرة.
أعراض مرض هنتنغتون
تبدأ أعراض الإصابة بهذا المرض في الظهور بدءًا من عمر الـ35 تقريبًا، وتستمر في التطور تدريجيًا إلى أن تصل لحدتها وتؤدي إلى وفاة المريض؛ ومن المتوقع أن يعيش الشخص المصاب بعد ظهور الأعراض عليه لمدة تتراوح بين 10 إلى 30 عامًا، والجدير بالذكر أن الأعراض تختلف من مريض لآخر حسب المرحلة التي يمر بها؛ ويمكن توضيحها في الآتي:
الاضطرابات الإدراكية
إن المصاب بهذا المرض يشعر ببعض الاضطرابات الإدراكية التي تشتد حدتها تدريجيًّا مع تطور المرض؛ وتشتمل تلك الأعراض على الآتي:
- يكون المريض غير قادر على التحكم في سلوكياته.
- يجد المصاب صعوبة في تعلم الأشياء الجديدة.
- يكون عاجزًا عن الحكم بطريقة صحيحة على الأمور.
- يصعب عليه اتخاذ القرارات.
- يتميز المريض باندفاعه الشديد الذي يسبب حدوث نوبات الغضب لديه.
الاضطرابات الحركية
يؤثر مرض هنتنجتون في الحركات اللاإرادية والإرادية، ولكنه غالبًا ما يكون مسيطرًا على الحركات الإرادية؛ مثل:
- إصدار حركات ملتوية أو اهتزازية من المريض؛ وهي تشبه الرقص.
- الشعور بصعوبة المشي والحركة وضبط وضعية الجسم.
- عدم القدرة على البلع والكلام.
- حدوث اضطراب في حركة العين.
- صلابة عضلات الجسم أو ارتخاؤها؛ وهو ما يسمى بالتوتر العضلي.
- إصدار ردود أفعال بطيئة من المريض.
الاضطرابات النفسية
ينتج عن هذا المرض العديد من الاضطرابات النفسية، ولعل من أشهرها الاكتئاب الناجم عن التغيرات الدائمة الحادثة للخلايا العصبية بالمخ، حيث يشعر المصاب باللامبالاة والحزن؛ ويصاب بالإرهاق المستمر والأرق، ويصبح منعزلاً عن العالم من حوله، كما تهفو نفسه إلى إنهاء حياته وتستمر هذه الفكرة في النمو حتى تودي به إلى الانتحار، ويكون هذا قبل تشخيص المرض، وتوجد بعض الاضطرابات المرافقة له؛ منها:
الوسواس القهري
هو اضطراب شائع ينجم عن القلق المستمر بشأن العديد من الأمور، وهذا ما يدفع المريض لتكرار أفعال محددة كأن يكرر الاستحمام وغسل الأيدي، وتنظيف البيت عدة مرات دون داع، وإعادة ترتيب الأغراض؛ لتأخذ شكلاً مرتبًا، أو يدفعه إلى القلق من فقد الأشياء والأشخاص.
اضطراب ثنائي القطب
مرض نفسي يصيب الشخص الذي يعاني من مرض هنتنجتون، حيث يشعر بتغير الحالة المزاجية لديه؛ إذ يصاب أحيانًا بنوبة اكتئاب ويشعر خلالها باليأس والحزن وانعدام الرغبة في القيام بأي نشاط، بينما يصاب المريض بنوبات هوس في أحيان أخرى، ويشعر خلالها بالنشاط الشديد والسعادة والابتهاج وسرعة الغضب.
الهوس
يعاني المريض المصاب بالهوس من فرط النشاط، ويتميز بسرعة التحدث وشدة توتره وقلة نومه واندفاعه؛ كما يعاني من الشهوة الزائدة والأرق.
أعراض مرض هنتنجتون الشبابي
قد تظهر أعراض هذا المرض في فترة مبكرة من العمر، كأن تظهر في سن ما قبل العشرين؛ وهنا يشعر المريض بما يلي:
- تغيرات بدنية تتمثل في الإصابة بالتشنجات.
- يتعرض إلى السقوط بشكل متكرر.
- يشعر بتصلب عضلات جسده، مما يؤثر ذلك في الحركة.
- يمكن أن تطرأ عليه تغيرات سلوكية نحو صعوبة التركيز والانتباه، والمعاناة من المشكلات السلوكية، وانخفاض المستوى المهني أو الدراسي بشكل ملحوظ.
مضاعفات الإصابة بالمرض
من الجدير بالذكر أن هذا المرض يؤثر في المريض بدرجة كبيرة لدرجة أنه يؤدي إلى الوفاة في غضون 10 سنوات بالنسبة لليافعين، وقد يكون سبب الوفاة الانتحار الناتج عن إصابة المريض بالاكتئاب؛ وغالبًا ما تسيطر على المريض الميول الانتحارية في منتصف مراحل المرض قبل تشخيصه؛ وإذا لم ينتحر المريض يظل على قيد الحياة إلى أن يصل لمراحل متأخرة تضطره إلى أن يكون طريح الفراش.
في نهاية الأمر يصبح المريض غير قادر على التحدث، ولكنه قد يفهم لغة من حوله؛ وعلى الرغم من ذلك هناك بعض المرضى الذين لا يستطيعون فهم اللغة، وقد يعجزون عن معرفة أهلهم وأصدقائهم، ويظلون هكذا إلى أن تنتهي حياتهم إثر الإصابة بالعدوى أو التهاب الرئة أو نتيجة السقوط، وقد يكون بسبب المضاعفات المصاحبة؛ لعدم قدرة المرضى على البلع.
علاج مرض هنتنغتون
مع الأسف؛ لم يتم اكتشاف علاج للقضاء على مرض هنتنجتون، ومع ذلك فهناك بعض الأدوية التي من شأنها تقليل الاضطرابات الحركية والسلوكية والنفسية الناجمة عن الإصابة بهذا المرض، لكن لا يمكن الاستمرار على الأدوية نفسها لفترة طويلة؛ إذ تتغير وفقًا لتطورات المرض؛ ولكل دواء آثاره الجانبية التي تختلف عن الأدوية الأخرى؛ ومن تلك الأدوية ما يلي:
الأدوية الخاصة بعلاج الاضطرابات النفسية
يحدد الطبيب الأدوية المناسبة لحالة المريض على حسب الأعراض التي تظهر عليه؛ وفي أغلب الأحيان يصف له العلاجات التالية:
- الأدوية المثبتة للمزاج: وهي التي تقي المريض من حدوث التقلبات المزاجية المرافقة لاضطراب ثنائي القطب.
- مضادات الاكتئاب: تشتمل على بعض الأدوية التي لها تأثير فعال في علاج الوسواس القهري أيضًا؛ ولكن من عيوبها أن لها آثارًا جانبية تتمثل في الإسهال، انخفاض ضغط الدم، الغثيان والنعاس.
- مضادات الذهان: لها دور فعال في التقليل من الإثارة ونوبات الغضب، وكذلك الأعراض الأخرى الخاصة بالذهان أو اضطرابات المزاج؛ ولكن يجب العلم أن هذه الأدوية قد تؤدي إلى حدوث الاضطرابات الحركية وتفاقمها.
الأدوية الخاصة بعلاج الاضطرابات الحركية
يصف الطبيب في هذه الحالة بعض الأدوية التي تسيطر على الحركات اللاإرادية، والتي حصلت على اعتماد من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية التي صرحت بقدرتها على كبت حركات التلوي والانتفاض اللاإرادي المصاحب لداء هنتنغتون، ولكن تلك الأدوية لا تمنع من تقدم المرض، ولها آثار جانبية محتملة؛ مثل: تفاقم الاكتئاب، والنعاس.
العلاج النفسي
يمكن أن يساعد المعالج النفسي المريض على علاج مشكلات الكلام، كما يطوّر الاستراتيجيات المستخدمة في التأقلم مع الأعراض الجديدة التي تتطور كلما تقدم مرض هنتنجتون؛ بالإضافة إلى أنه يمكن أن يحقق التواصل الفعال بين المريض وأفراد أسرته في حالة وصول المرض إلى مراحله المتأخرة.
العلاج الطبيعي
لاختصاصي العلاج الطبيعي دور فعال في تعليم المريض التمارين الآمنة التي تعزز المرونة والقوة والتوازن، كما يمكنها المحافظة على قدرة المريض على الحركة لأقصى فترة ممكنة؛ بالإضافة إلى أنها تقلل من احتمالية السقوط الذي يسبب الوفاة، وقد يمنح المختص التعليمات الضرورية والخاصة بالوضعية الملائمة للجسم، كما يكشف عن الطريقة المُثلى عند استعمال الدعامات للحد من مشكلات الحركة.
علاج التخاطب
كما أسلفنا أنه مع تطور داء هنتنجتون، تقل قدرة المريض على التحكم في عضلات الحلق والفم الضرورية لتناول الطعام والبلع والتحدث، ويكمن دور أخصائي أمراض التخاطب في مساعدة المريض على التحدث بطريقة واضحة أو باستعمال أجهزة التواصل، وهي عبارة عن لوحة تشتمل على صور الأنشطة اليومية والعناصر؛ بالإضافة إلى مساعدة المريض على حل مشكلات تناول الطعام.
العلاج الوظيفي
يساعد اختصاصي العلاج المهني المريض وأفراد أسرته على استعمال الأجهزة التي تسّهل من قدرة المريض على القيام بالأنشطة اليومية من خلال الأجهزة المساعدة؛ مثل: الأجهزة الخاصة بممارسة الأنشطة كارتداء الملابس والاستحمام، وكذلك يمكنهم تهيئة الأواني الخاصة بالأشخاص العاجزين عن أداء المهارات الحركية الدقيقة.
الوقاية من مرض هنتنجتون
في حالة كان هناك تاريخ عائلي للإصابة بمرض هنتنجتون، ينبغي إجراء التحاليل الجينية للكشف عن المرض مبكرًا؛ وفي حال كان أحد الأبوين يمتلك الجين الحامل لهذا المرض، يجب عدم التأخر عن إجراء التحاليل الجينية للجنين في الثلث الأول من الحمل.
متى يجب عليك زيارة الطبيب؟
إذا لاحظت ظهور بعض التغيرات عليك سواء كانت في قدراتك العقلية أو حالتك العاطفية أو حركتك، توجه إلى الطبيب فورًا، حيث يمكن أن تكون هذه أولى علامات مرض هنتنجتون؛ ولهذا يجب عليك ألا تهمل هذا الأمر للكشف المبكر عن المرض واتخاذ الإجراءات اللازمة؛ لتفادي المضاعفات.
يعتبر مرض هنتنجتون بمثابة تحدٍ خطير لكل من أُصيب به، ومن يعتني به، ولهذا يجب على أسرة المريض التكاتف معًا، ومساعدة المريض على القيام بالأنشطة اليومية، ومحاولتهم قدر المستطاع توفير جو هادئ يخلو من مثيرات الغضب والتوتر؛ لتخطي تلك المرحلة المفجعة من حياته.