قالوا عنها في روما، إن “لديها القدرة على القبض في لوحاتها على شعور ما”، فكيف لا؟، وهي واحدة من رواد الحركة الفنية التشكيلية في مصر والعالم العربي.. إنها الفنانة المصرية إنجي أفلاطون.
رغم نشأتها الأرستقراطية، اهتمت “أفلاطون” بالريف المصري، فكان معظم أبطال لوحاتها من الفلاحين، فحملت لوحاتها شقاء بنات الريف، ونطقت بمعاناة الفلاحين، كما كشفت عن جمال سنابل القمح وكيزان الذرة، عن أصوات الغنم والماشية، أنين السواقي وخرير الماء.
بسبب الظروف التي ترعرعت فيها والتوجهات التي تبنتها، كان هناك العديد من المتناقضات في حياة “أفلاطون” يمكن تلخصيها في 5 نقاط..
غنية أحبت الفقراء
اسمها بالكامل إنجي حسن أفلاطون، ولدت في 16 أبريل عام 1924، لأسرة أرستقراطية، عاشت داخل إحدى القصور الفاخرة بالقاهرة، جدها الأكبر كان وزير الجهادية والبحرية في عهد الخديو إسماعيل، ووالدها درس في سويسرا، وتولى عمادة كلية العلوم بجامعة القاهرة، ويقال إن محمد على باشا هو من أطلق على جدها لقب “أفلاطون”.
كباقي الطبقات العليا، تلقت تعليمها في مدرسة الليسية الفرنسية، حصلت فيها على شهادة البكالوريا، وبدأت في تعلم اللغة العربية في سن السابعة عشرة.
وتقول عن نفسها فى مذكراتها: “الحل لم يكن كما ظنت هي في ترك دولاب ملابسها على أحدث الموضات الفرنسية، وارتداء أزياء متواضعة، ولا في تخلّيها عن سيارتها الستروين لصالح واحدة من طراز الفيات 128، وهذا لحل فكرة التناقض بين الانتماء الأرستقراطي الطبقي وبين الاندماج في أوساط العمل والنضال مع الرفقاء من الفقراء”.
وتابعت: “ولكن بطرح مطالب وقضايا المرأة العاملة والفقيرة والمعيلة كأولوية وليس فقط بالتركيز على هموم وحقوق المرأة بشكل عام، فتصبح النتيجة هي الدفاع عن حقوق تخص فقط المرأة البرجوازية وميسورة الحال كالحريات وحق الاقتراع”.
صرخت أعمالها باسم الفئات المهمشة من الشعب، فاهتمت إنجي في معظم لوحاتها بتجسيد واقع الطبقة المصرية الكادحة، فرسمت للفلاحيين والحرفيين والعمال، وركزت على نساء الريف المكافحات، وحملت أدوات الرسم وتجولت بها في قرى ونجوع مصر، تلاحق رغبتها الملحة في الرسم، والتعبير عن رؤيتها لحياة الريف والفلاحين.
أرستقراطية تبنت الشيوعية
رغم حياتها الأرستقراطية، وعيشتها المترفة، تبنت إنجي أفلاطون الفكر الماركسي اليساري، والتحقت بإحدى المنظمات الشيوعية وهي في العشرين من عمرها.
نظمت إنجي أفلاطون في عام 1945 مع مجموعة من النساء ما أطلق عليه “المؤتمر الأول للاتحاد النسائي الديمقراطي الدولي” في العاصمة الفرنسية باريس، وطالبت بطرح مطالب وقضايا المرأة العاملة والفقيرة والمعيلة في العالم، كأولوية وليس فقط بالتركيز على هموم وحقوق المرأة بشكل عام.
في منتصف الخمسينيات، وبسبب آرائها السياسية دخلت إنجي أفلاطون السجن، وهو ما ترك في فنها أثرًا كبيرًا، حيث لم توقفها أسوار السجن عن الرسم، وقدمت مجموعة من أبرز أعمالها، ومنها: “شجرة خلف الحائط”، ولوحة “ليلة خلف قضبان السجن”، ولوحة “الصور النسائية في السجن”.
فنانة رفضت دراسة الفن
اكتشف فيها والدها شغفها للفن منذ صغرها، إلا أنها رفضت الدراسة الأكاديمية في الفن، واستعان والدها بأحد أبرز رسامي الجيل، كامل التلمساني، الذي أقنعها بالدراسة الحرة في الفنون الجميلة.
وفي بداية الأربعينيات، كانت من أوائل الطالبات اللاتي التحقن بكلية الفنون الجميلة في جامعة القاهرة.
اتخذت إنجي من السريالية منهجًا للتعبير عن نفسها فنيا فصورت كل ما خطر ببالها من أحلام وكوابيس بطريقة روائية ويظهر ذلك في لوحاتها التي جاءت تحت عنوان “الوحش الطائر” عام 1941، ولوحة “الحديقة السوداء”، ولوحة “انتقام شجرة” عام 1943.
تغنى بها العالم فتوقفت عن الرسم
حظيت إنجي أفلاطون بتقدير عال شرقا وغربا، وقال عنها النقاد إنها “تضفي قدرًا هائلًا من الحيوية على تفسيرها للطبيعة، وتدرك قيمة العمل كجزء لا يتجزأ من المنظر الطبيعي”، وفي روما قالوا عنها “إنها خرجت من قلب الحركة التشكيلية المصرية المعاصرة التي ترتبط بالواقع، تصور العظمة القاسية للطبيعة المصرية في لحظات من الحياة اليومية وتكمن قوتها في قدرتها على القبض على شعور ما”.
توقفت عن الرسم لمدة عامين من ١٩٤٦ إلى ١٩٤٨ وذلك بعد شعورها بأن رسوماتها لا تنقل إحساسها الحقيقي، وعادت مرة أخرى للرسم بعد زيارتها لمدينة الأقصر المصرية، والواحات، حيث تأثرت باسكتشات ملامح النساء والرجال داخل البيوت.
عشقت رجل فهاجمت كل الرجال
في عام 1948، تزوجت إنجـي من أحد القضاة التقدميين، وعاشت معه أسعد أيام حياتها، ولكنها لم تدم طويلًا حيث توفي عام 1957 على إثر ضرب ضباط المباحث له ضربا وحشيا، وفقدت إنجي الحبيب ورفيق الدرب.
قدمت معرضها الخاص الأول عام 1951 والذي غلب عليه الطابع الواقعي الاجتماعي خصوصا في اللوحات التي عبرت فيها عن هيمنة الرجل على مقدرات المرأة، وأبزها لوحاتها كانت “زوج الأربعة”، و”روحي وإنت طالق”، و”لن ننسى”.
حازت على جوائز دولية أبرزها وسام “فارس للفنون والآداب” من وزارة الثقافة الفرنسية عام 1985، 1986، وتوفيت في أبريل عام 1989 عن عمر يناهز 75 عاما.