أصبح نفوق أعداد كبيرة من الدلافين والحيتان بشكل جماعى على الشواطئ ظاهرة مخيفة ومتكررة فى السنوات الأخيرة ففى عام ٢٠٠٨ نقلت الأنباء أن قطيعا ضخما من الدلافين خرجوا على شواطئ نهر ضحل جنوب إنجلترا، ورغم محاولات السكان والغطاسين لتوجيه القطيع ومساعدته إلا أنه مات منهم 20 دولفينًا وفى جنوب المحيط الهندى اندفع ٥٥ دولفينا إلى شواطئ جزيرة مدغشقر فى مشهد انتحار جماعى مأساوى للغاية، وخلال العامين ٩٦ و٩٧ انتحر ٣٧ دولفينًا على شواطئ فيرجينيا والحيتان كذلك سجلت لها حوادث انتحار جماعية وفردية ومتكررة.
وبرغم أن الدراسات العلمية البحرية أثبتت أن الدلافين لديها بعض السلوكيات الاجتماعية العنيفة مع بعضها البعض والتى قد تدفع أحيانا صغار الدلافين إلى الانتحار هربا من تنمر تحالفات من ذكور الدلافين البالغة عليها أو تدفع إناث الدلافين للانتحار هربًا من ملاحقة مجموعات الذكور البالغة طلبا للزاوج بطريقة عنيفة للغاية ومؤلمة جدا، إلا أن تزايد أعداد الدلافين النافقة على الشواطئ يدفع العلماء للاعتقاد أن الأسباب تتعدى كونها سلوكًا اجتماعىيًا أو تزاوجًا عنيفًا إلى أكثر من ذلك.
والحقيقة أن أسباب هذه الظاهرة لا تزال محل بحث ودراسة من العلماء، ولكنها بلا شك تحمل رسالة قوية بأن هناك خطئًا ما ارتكبه الإنسان فى حق هذه المخلوقات البحرية الرائعة.
وأثبتت العديد من الدراسات وجود علاقة قوية بين حالات الانتحار الجماعى للحيتان والدلافين والتلوث الحادث في المياة البحرية، هذا التلوث الذي قضى على العديد من أشكال الحياة البحرية وأصناف مختلفة من الأسماك التى كانت تتغذى عليه الحيتان والدلافين، وأيضا موجات السونار المختلفة والمزعجة لنظام الملاحة لدى هذه الأسماك الذي يعتمد على هذا النظام فى توجيهه إلى الوجهة الصحيحة وقد اختل بسبب كثرة الغواصات والسفن التى تستعمله فى البحار والمحيطات.
فلم تعد الحيتان قادرة على توجيه نفسها إلى الوجهة الصحيحة فتضل الطريق وتموت ناهيك عن الملوثات الصناعية القاتلة التي يتم رميها فى البحار والمحيطات فى محاولة لدفنها أو التخلص من شرها، وفى المقابل ينقرض عدد لا بأس به من الأسماك والطحالب والقشريات بسبب هذه المخلفات، ولا تزال بعض الدول تدفن مخلفاتها النووية والصناعية في البحار والمحيطات حتى يومنا هذا، وقد أكدت الدراسات وجود عدد من الأمراض المزمنة لدى الأسماك في المناطق التى توجد بها مثل هذه المخلفات.
لقد لوث الإنسان عالم البر ولم يكتف بذلك فانطلق يعبث بالمحيط وعالم البحار والرسالة التى يبعثها المحيط للبشر قوية للغاية، وجثث الدلافين والحيتان النافقة على الشواطئ بالعشرات لا تقل أهمية عن جثة الطفل السورى الذي لفظه البحر على الشواطئ الأوروبية وتصدرت صورته الموجعة صفحات الجرائد والأخبار، فانقراض نوع أو أكثر من الكائنات الحية خطر على حياة الإنسان.