الشاعرة والأديبة الفلسطينية مي زيادة.. واحدة من رواد وأعلام الأدب النسوي العربي والنهضة الأدبية في النصف الأول من القرن العشرين، والتي كانت لها إسهامات كثيرة في الدفاع عن حرية المرأة إذ كانت تعدها جزءا أساسيا من عناصر المجتمع الإنساني.
نشأتها
اسمها الأصلي “ماري إلياس زيادة” ولدت في الناصرة بفلسطين عام 1886م، وهي من اختارت لنفسها اسم مي زيادة فيما بعد، ومي هي ابنة وحيدة لأب لبناني وأم سورية الأصل فلسطينية المولد، أتمت دراستها الابتدائية في الناصرة بفلسطين والثانوية في عينطوة في لبنان، وفي عام 1907م انتقلت مي زيادة للإقامة مع أسرتها بالقاهرة.
عملت هناك في تدريس اللغة الفرنسية والإنجليزية وتابعت دراستها للغات الألمانية والإسبانية والإيطالية، وفي الوقت ذاته عكفت على إتقان اللغة العربية وأكملت دراستها في الأدب العربي والتاريخ الإسلامي والفلسفة في جامعة القاهرة.
مي زيادة والصحافة
ذاع صيت مي زيادة بين الصحفيين والأدباء، وكان لها طريقتها الخاصة في الكتابة والأدب، وفي عام 1921م عقدت مؤتمرا تحت عنوان “الهدف من الحياة” ودعت فيه المرأة العربية إلى التطلع نحو الحرية والانفتاح على الغرب دون نسيان هويتها الشرقية.
وعرف عن مي زيادة اهتمامها بدرجة كبيرة بتعلم اللغات، فثابرت على تعلم اللغات في المنزل، وتعلمت أيضا في المدارس الكاثوليكية الفرنسية والجامعة وأتقنت الإنجليزية والإيطالية والألمانية والإسبانية واللاتينية واليونانية، مما زاد من شهرتها في الجانب الأدبي، وأنشأت صالونا أدبيا في عام 1912م واستقبلت فيه الكثير من الكتاب والمثقفين، وكان يتردد عليه مشاهير الأدباء مثل طه حسين وخليل مطران وأحمد لطفي السيد وعباس العقاد وغيرهم.
بدأت مي زيادة في كتابة الكثير من المقالات الأدبية والنقدية والاجتماعية منذ صباها وقد جمعت بين الثقافة الشرقية والغربية، فلفتت أنظار المثقفين والأدباء والساسة إليها، وكانت تعقد صالونها الأدبي والذي عرف باسم صالون “الآنسة مي” كل ثلاثاء، وقد حضر إلى هذا الصالون كبار الأعيان والمثقفين مثل محمد عبده وقاسم أمين وطه حسين وإسماعيل صبري ومصطفى صادق الرافعي.
مي زيادة معشوقة الأدباء
كانت سعة اطلاع مي زيادة وثقافتها الكبيرة سببا رئيسيا في وقوع العديد من الأدباء في غرامها، وخاصة أنها من أوائل من عقدوا الصالونات الأدبية، وقد قالت عن نفسها “أنا امرأة قضيت حياتي بين قلمي وأدواتي وكتبي ودراساتي وقد انصرفت بكل تفكيري إلى المثل الأعلى وهذه الحياة المثالية التي حييتها والتي جعلتني أجهل ما في هذا البشر من دسائس”.
كما ربطت علاقة حب بين شيخ الشعراء إسماعيل صبري وبين مي زيادة، وتحدث الناس عنهما، وكتب فيها شعرا يقول فيه “وأستغفر الله من برهة من العمر لم يلقني فيك صبًا” إلا أن هذا الحب بينهما لم يستمر طويلا، ولم يأخذ حيزا من الاهتمام وبدا أنه تقدير متبادل بين الطرفين.
وهذا أمير الشعراء أحمد شوقي يقول شعرا في محبة مي زيادة يقول فيه “إذا نطقت صبا عقلي إليها .. وإن بسمت إليّ صبا جناني”، وكان هذا البيت خير دليل على أن أمير الشعراء يحب مي زيادة ويدل على مدى إعجابه بها.
ومن بين ما يتبادله الرواة والمقربون من مي ما قاله الكاتب مصطفى عبدالرازق في الرسالة التي أرسلها من باريس عن مدى حبه لمي زيادة حيث قال “وإني أحب باريس إن فيها شبابي وأملي ومع ذلك فإني أتعجل في العودة إلى القاهرة يظهر أن في القاهرة ما هو أحب إلي من الشباب والأمل”.
وكان أبرز المحبين لمي زيادة جبران خليل جبران حيث قالت في رسالة إليه “جبران، ما معنى هذا الذي أكتبه؟ إني لا أعرف ماذا أعني به ولكني أعرف أنك محبوبي وأني أخاف الحب، كيف أجسر على الإفضاء إليك بهذا وكيف أفرط فيه؟ الحمد لله أنني أكتبه على الورق ولا أتلفظ به لأنك لو كنت حاضرا بالجسد لهربت خجلا من هذا الكلام ولاختفيت زمنا طويلا فما أدعك تراني إلا بعد أن تنسى”، ورد جبران عليها بقوله “الكلمة الحلوة التي جاءتني منك كانت أحب إلي وأثمن عندي من كل ما يستطيع الناس جميعهم أن يفعلوا أمامي، الله يعلم ذلك وقلبك أعلم”.