هيرودوت هو المؤرخ اليوناني الشهير الذي ارتبط في أذهان الكثيرين بوصفه لمصر، عندما اعتبرها هبة النيل، إلا أن مشوار حياة هذا الرجل امتد لدول أخرى عدة بخلاف المحروسة، جعلته يعرف بلقب “أبو التاريخ”، فكيف كانت رحلته وماذا اكتشف خلالها؟.
تاريخ هيرودوتس
ولد المؤرخ اليوناني الإغريقي هيرودوتس، أو كما ذكر في تاريخ العرب هيرودوت، بين عامي 485 و484 قبل الميلاد، حيث نشأ في مستعمرة هاليكارناسوس الإغريقية، حينما كانت تابعة لحكم الفرس.
تعرض المؤرخ الكبير للنفي من بلاده عندما كان شابا يافعا لا يتجاوز الـ20، بعد أن اتهم بمحاولة الانقلاب على الحاكم، ليسافر بين الكثير من الدول حول العالم، مثل إيطاليا وأوكرانيا وبالطبع مصر، وكذلك ليبيا التي قال عنها يوما عبارته الشهيرة “من ليبيا يأتي الجديد”.
كان دائم التدوين لكل ما يشاهده في رحلاته، حيث لم تقتصر كتابات المؤرخ الإغريقي عن الأماكن والمعالم، بل كذلك اهتم بتدوين أوصاف الشعوب وثقافاتهم وكذلك بنقاشاته معهم، ما كان يصوغه بأسلوب فلسفي رائع.
ماذا قال هيرودوت عن مصر؟
“مصر هبة النيل”، بهذه الكلمات يدرك الكثيرون رأي هيرودوت عن مصر، إلا أن كتابات المؤرخ الإغريقي عن مصر تطول عن تلك الكلمات المختصرة، حيث تحدث بانبهار عن القوارب النهرية التي كانت تطوف نهر النيل، وعن السفينة “باريس” التي كانت مخصصة للشحن.
أشار كذلك في كتاباته عن مصر، والتي حدثت في عام 450 قبل الميلاد تقريبا، إلى أن بناء السفينة أو القارب باريس كان يتم بشكل منظم، حيث يبدأ العمال بتقطيع ألواح خشبية يصل طولها لحوالي 100 سم قبل رصها كالطوب فوق بعضها، قبل أن يأتوا بألواح بنفس الطول لوضعها عليها، ومن فوقها جذع طويل، فيما يضعون البرديات في التشققات من الداخل.
أكد هيرودوت دائما من خلال كتاباته عن تأثر اليونانيين بمصر، قائلا: “لقد جاءت أسماء الآلهة كلها تقريبا من مصر إلى بلاد اليونان”، لافتا إلى الدور المصري العظيم في الملاحة، والذي تمثل حينها في شق قناة تربط البحرين الأحمر والأبيض.
كذلك تحدث عن صفات المصريين الحميدة، والتي لم تصل آنذاك لليونان ومن بينها احترام الصغار للكبار، مشيرا إلى مدى تقدم الكهنة المصريين في العلوم، وفي مقدمتها علوم الطب.
نظرية هيرودوت
يملك هيرودوت نظرية تخص كيفية بناء المصريين القدماء للأهرامات، حيث أشار إلى أن بناء تلك الآثار المجيدة قد تم على مدار نحو 20 سنة، فيما استعان الملوك بنحو 100 ألف شخص لإتمام تلك المهمة طويلة المدى.
أوضح مؤرخ الإغريق أيضا أن المصريين القدماء كانوا يستخدمون الزلاجات من أجل رفع الأحجار عبر طريق منحدر، وهي النظرية التي وإن وافق عليها الكثير من المتخصصين على مدار العقود والقرون التالية، فإن البعض من المؤرخين قد رفضوها في إشارة إلى صعوبة تصديقها لعدم منطقيتها.
كتب هيرودوت
يملك هيرودوت حوالي 9 مؤلفات مختلفة، حيث يناقش الأول بعض المعلومات عن الفرس والبابليين، فيما خصص الثاني كاملا ليتحدث فيه عن رحلاته لمصر وما شاهده فيها، مدعما إياه بمقولة مصر هبة النيل.
تحدث هيرودوت في كتابه الثالث عن تعرض مصر للهجوم من قبل الملك الفارسي قمبيز، كما ذكر بعض المعلومات عن الحرب الأهلية التي دارت أحداثها في بلاد فارس، مشيرا في كتابه الرابع إلى سكان جنوب روسيا القدماء، والذين عرفوا آنذاك باسم السكوثيين.
لم تخلُ بقية المؤلفات الخاصة بهيرودوت، من الحديث عن بلاده وعن الإغريق، وعن الحروب الشرسة التي دارت بينهم وبين الفرس، مثل معارك ثروموبولاي وأرتيميسيوم وسلاميس، إضافة إلى معركة بلاتايا.
اعتمد المؤرخ الإغريقي في كتابته على لغته اليونانية متأثرا باللهجة الإيونية، والسر مكان ولادته في آسيا الصغرى، فيما غلب على مؤلفاته الطابع الفلسفي الذي كان يناقش من خلاله كل ما يراه طوال رحلاته.
وفاة هيرودوت
عاش المؤرخ الإغريقي بعيدا عن بلاده منذ أن تم نفيه وهو شاب في مقتبل الـ20، حيث تنقل بين الدول المختلفة على مدار 40 سنة ولم يعد إلى اليونان القديمة يوما منذ حادث الانقلاب الفاشل والتعرض للنفي.
ظل الحال كما هو عليه، حتى توفي هيرودوت عن عمر يناهز الـ60 في عام 425 قبل الميلاد، ليرحل تاركا مؤلفات وكتبا تحمل تفاصيل تاريخية تبدو صادقة من وجهة نظر المتخصصين، ليدرك العالم من خلالها كيف كانت الحياة في الماضي ومنذ قرون طويلة وقبل الميلاد.