يوسف بن تاشفين من أعظم الشخصيات التي ظهرت في بلاد المغرب الإسلامي في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري، ويعتبره المؤرخون صلاح الدين المغرب العربي الذي أنقذ الأندلس من السقوط، وقد قاد المسلمين وانتصر على ملوك الإسبان الصليبين في معركة الزلاقة المشهورة، والتي انكسر فيها جيش الفرنجة سنة 479 ه، إنه أمير المؤمنين أبو يعقوب يوسف بن تاشفين بن إبراهيم بن توقورت بن وارتقطين بن منصور بن مصالة بن أمية الصنهاجي، البطل الذي كتب التاريخ الإسلامي اسمه بحروف من نور.
نشأة يوسف بن تاشفين
نشأ يوسف بن تاشفين في بيئة صحراوية وتعود أصوله إلى قبائل صنهاجة، ويقول ابن خلدون حول صنهاجة هم أصل المرابطين الملثمين، وعُرفت صنهاجة بتعدد القبائل ومنها: لمتونة، وجدالة، ولمطة وغيرها، وتولت قبيلة لمتونة رئاسة هذه القبائل، وسبب تسميتهم بالملثمين هو أن أجدادهم كانوا يلتثمون لشدة الحر، وقيل إن قبيلة منهم أغارت على العدو وتركوا بيوتهم خالية من رجالها لا يوجد فيها سوى النساء والأطفال والشيوخ، فأمر الشيوخ النساء بأن يتلثمن ويرتدين لباس الحرب فهرب الأعداء، لذلك أصبح اللثام له أهمية كبيرة في حياتهم.
سكن المرابطون الصحراء الكبرى الممتدة من غدامس شرقًا إلى المحيط الأطلسي، وكانت المناطق الشمالية مقرًا لهم، وقد أثرت البيئة الصحراوية في حياة يوسف بن تاشفين الذي ينتمي إلى قبيلة لمتونة ويرجح أن تكون مكانها موريتانيا، ولم تذكر المصادر التاريخية أي تفاصيل عن طفولة يوسف بن تاشفين، إلا أن كل المصادر أجمعت على أنه كان شجاعًا وأسدًا جسورًا، قال الذهبي عنه في سير أعلام النبلاء: «كان ابن تاشفين كثير العفو، مقرِّبًا للعلماء، وكان أسمر نحيفًا، خفيف اللحية، دقيق الصوت، سائسًا، حازمًا».
وصفه ابن الأثير في الكامل بقوله: «كان حليمًا كريمًا، ديِّنًا خيرًا، يُحِبُّ أهل العلم والدين، ويُحَكِّمهم في بلاده، وكان يحب العفو والصفح عن الذنوب العظام».
كيف أقام يوسف بن تاشفين دولة المرابطين في المغرب
كانت أحوال الدولة الإسلامية في زمن يوسف بن تاشفين متدهورة، وكان العالم الإسلامي منقسما، ففي بغداد كانت الخلافة العباسية تعاني من الضعف، ومصر تحت الحكم الفاطمي، وفي بلاد الشام بدأت تهاجمها الحملات الصليبية، وفي الأندلس انتشر الفساد بين ملوكها، أمَّا في المغرب الإسلامي، فعانت من قبائل ارتدت عن الدين الإسلامي مثل مدينة سبتة وطنجة.
وفي عام 445هـ 1053م قام أحد قادة صنهاجة عبد اللـه بن ياسين بتأسيس حركة المرابطين، وكانت هدفها توحيد بلاد المغرب العربي ورفع راية الإسلام، وبعد مرور 10 سنوات من الجهاد تَسَلَّم قيادة الحركة يوسف بن تاشفين، فعمر البلاد، وساد العدل، كان يوسف بن تاشفين يميل إلى أهل الدين والعلم ويكرمهم ويطلب رأيهم، واكتسب محبة شعبه وكان شغوفا للحروب، فاستطاع أن يُوَحِّد كل المغرب حتى مدينة الجزائر شرقًا، وغانا جنوبًا، وكان ذلك عام 476هـ 1083م.
قامت دولة المرابطين على نشر الإسلام والجهاد في سبيل ﷲ، ونظرًا للمعارك الكثيرة التي خاضها المرابطون ضد العدو تطورت أساليبهم في القتال، وكان للأمير يوسف بن تاشفين الفضل في تنظيم جيش المرابطين، حيث قام يوسف بن تاشفين بتنظيم أهل لمتونة وكان جيشه يتكون من مجموعة من الفرسان القوية، وصل عددهم في عهده إلى 100 ألف مقاتل.
أضاف يوسف بن تاشفين أيضًا إلى جيشه فرقًا عسكرية جديدة مكونة من 4 آلاف مقاتل من الرماة لتقوية جيش المرابطين.
معارك يوسف بن تاشفين في الأندلس
في عام 478هـ 1085 سقطت طليطلة، وكان لوقع سقوطها أثر كبير لدى ملوك الطوائف، الأمر الذي دفعهم أن يطلبوا المساعدة من الأمير يوسف بن تاشفين، ولقد استجاب ابن تاشفين لطلب ملوك الطوائف، وفي ذلك يقول الفقيه ابن العربي: «فلبَّاهم أمير المسلمين ومنحه اللـه النصر، وألجم الكفار السيف، واستولى على مَنْ قدر عليه من الرؤساء من البلاد والمعاقل، وبقيت طائفة من رؤساء الثغر الشرقي للأندلس تحالفوا مع النصارى، فدعاهم أمير المسلمين إلى الجهاد والدخول في بيعة الجمهور، وحتى يصبح ابن تاشفين أميرًا شرعيًّا أرسل إلى الخليفة العباسي يطلب منه توليته، ويقول السيوطي في كتابه تاريخ الخلفاء: وفي سنة 79 أرسل يوسف بن تاشفين صاحب سَبْتَة ومَرَّاكُش إلى المقتدي يطلب أن يُسَلْطِنَهُ، وأن يُقَلِّده ما بيده من البلاد، فبعث إليه الـخِلَعَ والأَعلام والتقليدَ، ولَقَّبه بأمير المسلمين؛ ففرح بذلك وسُرَّ به فقهاء المغرب.
ودخل ابن تاشفين الأندلس وقاد الجيوش الإسلامية، وكانت موقعة الزلاقة عام (479هـ=1086م) من أهم المعارك التي انتصر فيها المسلمون على الإسبان، وفيها تم هزيمة ملك الإسبان ألفونسو السادس شر هزيمة، وقد كان لهذه المعركة الفضل في بقاء دولة الإسلام في الأندلس لمدَّة تزيد عن قرنين ونصف، وقد وقعت المعركة في سهلٍ الزلاقة جنوب الأندلس.
وفاة يوسف بن تاشفين
تُوُفِّيَ يوسف بن تاشفين في شهر المحرم عام 500هـ 1107م عن عمر يناهز 100 عام.