ابن خالويه، هو اللغوي البارز الذي تعلم على يد كبار العلماء، فأخرج من بعده الكثير من الأدباء، فيما تجادل مع المتنبي في مناسبات عدة ليصل الأمر بينهما إلى الاعتداء بالضرب، كما نوضح الآن عبر سرد قصة حياة وإبداعات هذا العالم في اللغة والنحو والقراءات.
نشأة ابن خالويه
ولد أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن حمدان الهمذاني، المعروف باسم ابن خالويه، في مدينة همذان التابعة الآن لدولة إيران، في عام 285هـ، وهو التاريخ الذي اختلف حوله العلماء ولكنه يبدو الأقرب للحقيقة.
عاش ابن خالويه في همذان فترة الشباب قبل أن ينتقل إلى مدينة بغداد في عام 314هـ، من أجل أن يجد فرصته الحقيقية في تعلم اللغة والنحو وكذلك القرآن الكريم والحديث، ما تحقق فعليا على يد علماء أفذاذ، من بينهم ابن الأنباري المتخصص في علوم النحو وابن مجاهد الذي قام بتعليمه القرآن الكريم والقراءات، إضافة إلى محمد بن مخلد العطار الذي ساعده كثيرا في تعلم وفهم علوم الحديث الشريف، وكذلك ابن دريد ونفطويه المتخصصان في علوم النحو والأدب.
لم يستقر ابن خالويه في بغداد للأبد، بل تنقل عملاق اللغة والنحو بين عدد من المدن العربية، إذ سافر إلى الشام كما ذهب لزيارة بيت المقدس، قبل أن يشد الرحال إلى اليمن ويظل هناك لفترة لا بأس بها من الوقت، ليعود ويستقر من جديد في الشام وتحديدا في حلب، التي بقي فيها إلى نهاية عمره.
ذاع صيت ابن خالويه كثيرا في حلب، حيث صار من أشهر المتخصصين في التدريس في البلاد، الأمر الذي دفع سيف الدين الحمداني مؤسس مدينة حلب، ليقربه منه ويجعله بمثابة المعلم لأولاده، علما بأن هذا اللغوي البارز كان مؤثرا في مسيرة الكثير من الأدباء، مثل الشاعر أبي بكر الخوارزمي وكذلك أبو الحسن السلامي، علاوة على المفسر النحوي المعافى بن زكريا النهرواني.
مؤلفات ابن خالويه
يحفل تاريخ اللغوي العالم بالكثير من الكتب والمؤلفات، والتي تجاوز عددها الـ40 مؤلفا، حيث يعتبر كتاب الحجة في القراءات السبع من أشهرها، إلا أنه ليس الكتاب الوحيد الذي حقق نجاحا كبيرا من وجهة نظر الأدباء الآخرين الذين عاصروه أو الذين أتوا من بعده.
مثلا نجد كتاب ليس في كلام العرب، الذي يعتبر من روائع الكتب التي تحدثت عن مفارقات اللغة العربية، حيث تبحر فيه خالويه في علوم اللغة، ليكشف عن الاستثناءات فيها، كما يقول خلاله: “ليس في كلام العرب ما مفرده ممدود وجمعه مدود إلا داء ودواء”، وهكذا.
كذلك لابن خالويه كتاب رسالة في أسماء الريح، وكذلك كتاب مختصر في شواذ القرآن، علما بأنه قام بتأليف كتاب يدعى شرح ديوان أبي فراس الحمداني.
تكشف الكتب الخاصة بابن خالويه مدى استقلاليته على الصعيد الفكري، حيث يصعب أو ربما يستحيل أن تجده متعصبا لشخص سواء كان كوفيا أو بصريا، كما أنه اعتمد كثيرا على القرآن الكريم والحديث الشريف للاستشهاد، مثلما تبحر في معالجة قضايا لغوية متعددة عبر مؤلفاته.
ابن خالويه والمتنبي
على الرغم من تمتع كل من ابن خالويه والمتنبي بمكانة لا غبار عليها في الأدب واللغة، إلا أن ذلك لم يمنع حدوث الأزمات بين الطرفين، بل ربما كان سببا فيها، إذ كانت جلسات سيف الدولة الحمداني كثيرا ما تجمع بين اللغوي البارز وبين الشاعر المعروف بالعزة والكبرياء، لتشهد إحداها واقعة شهيرة بين الاثنين.
حينها كان ابن خالويه يعارض رأي أبي الطيب اللغوي في أثناء حضور سيف الدولة الحمداني والمتنبي، لذا تدخل الشاعر في النقاش بأمر من سيف الدولة لينصف أبا الطيب على ابن خالويه، ما رفضه الأخير وأشعل الأزمة أكثر فأكثر.
رفض ابن خالويه حديث المتنبي الحاد له، حينما قال: “إنك أعجمي وأصلك خوزي، فما لك باللغة العربية” فاستشاط غضبا ليضرب المتنبي بمفتاحه في حضور سيف الدولة الحمداني الذي لم يحرك ساكنا، ما تسبب في حدوث وقيعة أبدية بين المتبني والحمداني.
عاش ابن خالويه في مدينة حلب حتى سنة 370هـ، حيث وافته المنية حينها عن عمر يتجاوز الـ80، ليرحل عن عالمنا أحد أشهر اللغويين والعلماء في اللغة، والذين أثروا وتأثروا بالكثير من أعمدة الأدب في التاريخ القديم، لتبقى مؤلفاته دليلا على بقاء القيمة الأدبية والعلمية مهما طال الزمان.