بابلو بيكاسو هو أحد رواد الفن في القرن الـ20، كان فنانا مبتكرا قام بالتجربة والابتكار خلال أكثر من نصف قرن، ولم يكن بيكاسو رساما ماهرا فحسب، بل كان أيضا نحاتا وصانع طباعة وفنان سيراميك وفنان حفر وكاتبا، تدرج في أعماله ما بين التكعيبية والسريالية وما بعدها، لتشكيل اتجاه الفن الحديث والمعاصر على مر العقود.
عاصر بيكاسو حربين عالميتين، وأنجب 4 أبناء، وظهر في الأفلام وكتب الشعر، وتوفي في فرنسا عام 1973.
نشأة بيكاسو
ولد في 25 أكتوبر 1881م وعلى الرغم من أنه عاش معظم سنوات شبابه في فرنسا، إلا أن بيكاسو كان إسباني الأصل، ينحدر من مدينة مالقة بإسبانيا، وكان بابلو المولود الأول لدييجو خوسيه فرانسيسكو دي باولا خوان نيبوموسينو، وأمه ماريا ريميديوس دي لا سانتيزيما، نشأ ككاثوليكي، لكن في حياته اللاحقة أعلن أنه ملحد.
كان والد بابلو بيكاسو هو أيضا فنانا، وكان يتكسب من رسم الطيور والحيوانات، كما قام بتدريس دروس في الفن وقام بتنسيق المتحف المحلي.
بدأ دون لويز بيكاسو تعليم ابنه الرسم، والرسم الزيتي عندما كان الولد في الـ7 من عمره، وجد أن بابلو الصغير تلميذ ماهر.
دراسة بيكاسو وتعليمه
بدأ والد بيكاسو بتعليمه الرسم عندما كان طفلا، وعندما بلغ من العمر 13 عاما، تجاوز مستوى مهارته مهارات والده، ولكن سرعان ما فقد بيكاسو كل رغبته في القيام بأي عمل مدرسي، واختار قضاء أيام المدرسة وهو يعبث في دفتر ملاحظاته بدلا من ذلك.
وعندما كان بلغ بيكاسو 14 عاما، انتقلت عائلته إلى برشلونة بإسبانيا، حيث تقدم بسرعة إلى مدرسة الفنون الجميلة المرموقة في المدينة، وعلى الرغم من أن المدرسة عادة ما تقبل الطلاب فقط الذين هم أكبر من عمره، إلا أن امتحان القبول لبيكاسو كان استثنائيا لدرجة أنه تم منحه استثناء وتم قبوله، ومع ذلك انزعج بيكاسو من القواعد والإجراءات الصارمة لمدرسة الفنون الجميلة، وبدأ في ترك المدرسة حتى يتمكن من التجول في شوارع برشلونة، ورسم مشاهد المدينة التي لاحظها من الغجر والمتسولين، من بين أشياء أخرى، وانتقل بيكاسو عندما بلغ 16 عاما إلى مدريد لحضور الأكاديمية الملكية في سان فرناندو.
ذهب بيكاسو لأول مرة إلى باريس مركز الفن الأوروبي في عام 1900، وتعرف على ماكس جاكوب، الشاعر والصحفي ولم يمض وقت طويل، وانتقل بيكاسو إلى مدريد وعاش هناك في الجزء الأول من عام 1901، وتشاركا معا في إصدار مجلة أدبية تسمى “young Art”، التي كانت تنشر مقالات ورسوما متحركة متعاطفة مع الفقراء.
فترة الفن الزرقاء
امتدت فترة فن بيكاسو المعروفة باسم الفترة الزرقاء من عام 1901 إلى عام 1904. خلال هذا الوقت، رسم الفنان بشكل أساسي بظلال من اللون الأزرق، مع لمسات عرضية من اللون المميز. على سبيل المثال، يتميز العمل الفني الشهير عام 1903، عازف الجيتار القديم، بجيتار بألوان بنية أكثر دفئا وسط درجات اللون الأزرق، وغالبا ما يُنظر إلى أعمال فترة بيكاسو الزرقاء على أنها حزينة بسبب نغماتها الخافتة.
وينسب المؤرخون فترة بيكاسو الزرقاء إلى حد كبير إلى اكتئاب الفنان الواضح بعد انتحار صديق له.
الفترة التكعيبية في حياة بيكاسو
امتدت هذه الحقبة من حياة بيكاسو من عام 1912 إلى عام 1919. استمرت أعمال بيكاسو في الاتجاه التكعيبي، حيث أدخل الفنان شكلا فنيا جديدا (الكولاج) في بعض إبداعاته، كما قام بدمج الشكل البشري في العديد من اللوحات التكعيبية، مثل “Girl with a Man” خلال الثلاثينيات من القرن الماضي، كما عكست أعمال بيكاسو عنف زمن الحرب مثل أعماله المشهورة “غيرنيكا”، وهي تصوير فريد للحرب الأهلية الإسبانية.
السنوات الأخيرة من عمر بيكاسو 1940-1973
خلال الحرب العالمية الثانية، بقي بيكاسو في باريس تحت الاحتلال الألماني، وعانى مضايقات الجستابو بينما استمر في إبداعاته، ففي بعض الأحيان، كتب الشعر، وأكمل أكثر من 300 قصيدة في الفترة من 1939 حتى 1959، كما أنهى مسرحيتين، “الرغبة التي أشعلها الذنب” و”الفتيات الأربع الصغيرات”، كما ركز على النحت خلال هذه الحقبة، حيث شارك في معرض دولي في متحف فيلادلفيا للفنون في عام 1949.
بعد ذلك قام بإنشاء تمثال نصفي معروف باسم شيكاغو بيكاسو، والذي تبرع به لمدينة الولايات المتحدة، وبعد تحرير باريس عام 1944، بدأ بيكاسو علاقة جديدة مع طالبة الفنون الأصغر سنا بكثير فرانسوا جيلوت، وأنجبا ابنا كلود، وابنة بالوما، لكن علاقتهما حكم عليها بالفشل مثل الكثير من علاقات بيكاسو السابقة، بسبب خياناته المستمرة وإساءة معاملته.
تزوج الفنان من زوجته الثانية والأخيرة جاكلين روك البالغة من العمر 27 عاما في عام 1961، عن عمر يناهز 79 عاما، والتي أثبتت أنها واحدة من أعظم مصادر إلهام مسيرته المهنية، حيث أنتج بيكاسو أكثر من 70 صورة لها خلال السنوات الـ 17 الأخيرة التي كان فيها على قيد الحياة.
مع اقتراب حياته من نهايتها، عاش الفنان موجة من الإبداع، وكانت الأعمال الفنية الناتجة عبارة عن مزيج من أنماطه السابقة وتضمنت لوحات ملونة ونقوشا نحاسية، وأدرك خبراء الفن في وقت لاحق بدايات التعابير الجديدة في أعمال بيكاسو النهائية.