ربما قد تكون سمعت عن هيكل سليمان في البرامج السياسية أو من المهتمين بالمسجد الأقصى، وقد يتبادر لذهن الكثير السؤال عن هذا الهيكل المزعوم؟ وما هي أهميته؟ والهيكل كلمةٌ تعني “البيت الكبير”، ثم أطلقتْ هذه الكلمة على كلِّ مكان يُتَّخذ للعبادة.
والهيكل في عقيدة اليهود بمعنى: البيت المقَدَّس، أو بيت الرب أو الإله، وهيكل سليمان، كما يزعم اليهود بناه نبي الله سليمان – عليه السلام – فوق جبل موريا لتقديم الذبائح والقرابين، ويُسمِّي اليهودُ هذا الجبل بـجبل الهيكل.
وتذْكُر الحقائق والوثائق التاريخيَّة أن نبي الله سليمان أكمل بناء بيت المقدس بعد أن بناه نبي الله إبراهيم على هيئةٍ عظيمةٍ، واستمر المبنى بعد وفاة نبي الله سليمان – عليه السلام – سنين طويلة، حتى هُدِم على يد نبوخذ نصر الملك البابلي، وسبى اليهود وشردهم، وبقي البيتُ المقدَّس خرابًا عقودًا من الزمن، ثم أُعيد بناؤُه، في عهد (الملك هيرودس الأول)، وفي عام 70 م حدث تمرد من اليهود على الإمبراطورية الرومانية، وقام الجيش الروماني بقيادة القائد العسكري (تيتوس) بذبح اليهود وأسر كثير منهم، ودمروا المعبد والهيكل، ودمروا (أورشليم) تمامًا، ولم يبقَ أي أثر يستدل به على الهيكل المزعوم، وأنشؤوا مكانها مدينة جديدة سميت (إليا) لم يكن مسموحا لليهود دخولها، وأصبح اليهود في شتات في جميع أنحاء العالم.
ذكر الهيكل في القرآن الكريم
لم يذكر القرآن الكريم أي رواية عن بناء نبي الله سليمان (عليه السلام) الهيكل، وإنما ذكر القرآن الكريم قصة أنبياء الله داود وسليمان عليهما السلام، في مواضع عديدة، وذكر قصة سيدنا سليمان مع الملكة بلقيس ودعوتها للإسلام والهدهد، والنملة، ومع الجن، ولم يذكر القرآن الكريم شيئا عن الهيكل؟ كما أن الأنبياء لا يبنون هيكلًا لتقديم القرابين.
مكانة الهيكل عند اليهود
يحظى الهيكل بمكانة مرموقة في الفكر اليهودي، فاليهود يعتقدون أن هيكل سليمان يقع في مركز العالم، حسب اعتقادهم، ويقع قدس الأقداس في وسط الهيكل، فهو بمنزلة سُرة العالم، ويعتقدون أن أمام الهيكل حجر الأساس الذي عنده خلق الرب العالم، والهيكل كنز، وهو عند الرب أثمن من السماوات والأرض التي خلقها الله، تماما مثل بني إسرائيل، أما الهيكل فقد خلقه الرب بكلتا يديه.
وتزداد أهمية الهيكل لاحتوائه على قدس الأقداس الذي يضم تابوت العهد، ويعتقد اليهود أن قدس الأقداس مثيل السماء السابعة، وأن الرب حاضر مع اليهود لوجوده، أو لوجود رمزه في قدس الأقداس في هيكل أورشليم.
يذكر اليهود أنه يجب أن يعاد بناء الهيكل مرة ثالثة حتى يأتي المسيح المنتظر، وهم يعدون العدة لذلك وبدأ مخططهم في بناء الهيكل، وتم بناء مذبح القرابين، كما تم حياكة ملابس الكهنة، كل شيء أصبح جاهزا وفي انتظار ولادة البقرة الحمراء، والتي سوف يذبحونها ويحرقونها ويضعون رمادها في الماء ليتطهر به الكهنة من سبط لاوي (من نسل هارون) واليهود، قبل البدء في بناء الهيكل هكذا تقول التقاليد اليهودية.
أوصاف الهيكل كما جاء في الكتاب المقدس
ذكر الكتاب المقدس في سفر الملوك الأول أوصاف الهيكل فيصفه على النحو الآتي:
إن جدران الهيكل بنيت من الحجارة وطوقت بأخشاب الأرز والمطلية بالذهب الخالص، كما أن الملك سليمان أمر بصنع تمثالين لملكين بأجنحة من الذهب الخالص، وسقف حجرة قدس الأقداس مبطن بعوارض خشب الأرز وبها المحراب تَابُوتَ عَهْدِ الرَّبِّ وَغَشَّاهُ بِذَهَبٍ نَقِيٍّ كَمَا غشي الْمَذْبَحَ بِخَشَبِ الأَرْزِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ غشي سُلَيْمَانُ الْهَيْكَلَ كُلَّهُ مِنْ دَاخِلٍ بِذَهَبٍ نَقِيٍّ. وَصَنَعَ سَلاَسِلَ ذَهَبِيَّةً حَجَزَ بها مَدْخَلَ الْمِحْرَابِ المغشي بِالذَّهَبِ النَّقِيِّ، وَهَكَذَا شَيَّدَ سُلَيْمَانُ الْهَيْكَلَ وَأَكْمَلَهُ.
أين يقع هيكل سليمان؟
يدعي اليهود أن بقايا هيكل سليمان موجودة في الجانب الآخر مكان المسجد الأقصى عند حائط البراق، أو كما يطلقون عليه حائط المبكى، وأن مكان الهيكل هو مسجد قبة الصخرة، وأنهم في انتظار أن يتطهروا لأنهم طبقًا لمعتقداتهم، لا يحق لهم بناء الهيكل قبل التطهير، ويعد حائط المبكى الآن هو أقدس مكان لليهود يأتون إليه من كل بقاع الأرض في المناسبات والأعياد يصلون، ويضعون في شقوق حجارته دعواتهم وطلباتهم من ربهم.
والحقيقة أنه لا يوجد دليل واحد على وجود هيكل سليمان عند حائط المبكى فكلها ادعاءات من اليهود، وهذا ما أكده علماء الآثار، فقد كتب عالم الآثار “الإسرائيلي “التوراتي هريت سوغ، الأستاذ بجامعة تل أبيب، مقالة نشرتها صحيفة “هآرتس” في 28/11/1999 :إن الحفريات المكثفة في أرض إسرائيل خلال القرن العشرين قد أوصلتنا إلى نتائج محبطة. كل شيء مختلق، فنحن لم نعثر على شيء يتفق والرواية التوراتية. إن قصص الآباء في سفر التكوين هي مجرد أساطير…، وأصعب هذه الأمور أن المملكة الموحدة لداود وسليمان، التي توصف في التوراة بأنها دولة عظمى، كانت في أفضل الأحوال مملكة قبلية صغيرة… إنني أدرك باعتباري واحدا من أبناء الشعب اليهودي، وتلميذًا للمدرسة التوراتية مدى الإحباط الناجم عن الفرق بين آمالنا في إثبات تاريخية التوراة وبين الحقائق التي تتكشف على أرض الواقع. إنني أُحس بثقل هذا الاعتراف على عاتقي، ولكنني ملتزم بتدقيق ونقد، وتعديل تفسيراتي ونتائجي السابقة.
كما أنه حين فتح عمر بن الخطاب القدس لم يجد أي أثر للهيكل، وقد منح لكل كتابي حق العبادة في بيت المقدس، وأمر بعدم هدم المعابد والكنائس، ولو كان هناك أي أثر لهيكل سليمان لأعاد بناءه، كما أن الكثير من علماء الآثار من اليهود أنفسهم رجحوا، أن هيكل سليمان كان موجودا في بابوس بمنطقة عمورفيل بالقرب من عين سيروال، أو عين جيحون (التي تقع في المنطقة السفلى من القدس، وأنها بعيدة عن مكان المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة، وأن منطقة المسجد الأقصى لا يوجد فيها عين ماء أبدًا)، نظرًا لأن اليهود كانوا بحاجة إلى عين مياه طبيعية، للطهارة قبل دخول الهيكل.
كما أن الأسفار التي تتحدث عن الهيكل متناقضة حول شكل ومكان الهيكل، مما يدل على أنها ليست كتبًا مقدسة من الله، وإنما هي كتابات من فعل البشر نسبت بهتانًا إلى الله.