من هو الحجاج بن يوسف الثقفي؟ وهل كان الحجاج طاغية بني أمية وسفاح العراق أم مظلوما مفتري عليه؟ هو أبو محمد الحجاج بن يوسف بن أبي عقيل بن الحاكم الثقافي، أحد ولاة الدولة الأموية وهو شخصية مثيرة للجدل فعندما يذكر اسمه يتبادر إلي الأذهان، القتل وسفك الدماء ولكن الحجاج رغم ما عرف عنه من قسوة وشدة، فقد كان له إيجابيات فقد عرف عنه أنه كان من الفصحاء وأمر بتنقيط القرآن، ويقول عنه ابن كثير أنه كان يتدين بترك المسكر وكان يكثر من قراءة القران، وذكر عنه بعض المؤرخين أنه كان حريصا على الجهاد وفتح البلاد، فهو من اختار القائد الفاتح قتيبة بن مسلم، وأمره بفتح بخاري وسمرقند، ولكن الغالب على الحجاج ان ذنوبه غلبت حسناته كما قال الحافظ في سير أعلام النبلاء: أهلكه الله في رمضان سنة 95 كهلا وكان ظلوماً جباراً ناصبياً خبيثاً سافكا للدماء، وله حسنات مغمورة في بحر ذنوبه، وأمره إلى الله وله توحيد في الجملة ونظراء من ظلمة الجبابرة والأمراء.
نشأة الحجاج بن يوسف الثقفي
ولد الحجاج في قرية ثقيف سنة 40 ه بالطائف، وكان والده يوسف بن أبي عقيل الثقافي يعمل معلم الصبيان الصغار في الكُتاب، وقيل أن الحجاج كان يساعد والده في تعليم الصغار، وكان يقود الصغار فكانت الكلمة كلمته والرأي رأيه، فإذا تكلم سكت الناطق، وقد حفظ القرآن الكريم، وكان منذ نعومة أظافره قائدا طموحا، وله آمال يريد أن يحققها وقد بدأ مشواره نحو تحقيق حلمه بانضمامه إلى الشرطة تحت قيادة ( روح بن زنباع)، فأصبح قريبًا من رجال الحكم وعلى بعد خطوات من مركز القيادة، وكانت له رغبه جامحة لكي يكون شيئا مذكورًا وبالفعل وضع أقدامه على الطريق، وقد اجتهد الحجاج حتى ولاه أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان قياده العسكر وهو لم يبلغ الثلاثين، وكان معروفا أن الحجاج قصير القامة ضعيف النبيه قليل الهيئة، ولم يكن بالجندي القوي جسمانيًا وكل ما كان في استطاعته هو الأمر والنهي، وقد أظهر الحجاج جداره جعلت عبد الملك بن مروان يقول: إن شُرطيكم لجلد.
الحجاج ومقتل الزبير
حين أقبلت سنه 72 هجريًا كانت مقدرة الحجاج وكفاءته قد ظهرت للعيان، وفي إحدى الأيام جاء الحجاج لعبد الملك ابن مروان و حكي له أنه رأي رؤية أنه يسلخ عبد الله بن الزبير، وصادفت هذه الرؤيا هوى عبد الملك بن مروان فقال له: أنت لها فخرج إليها.
خرج الحجاج يقود الجيش إلى الطائف التي خرج منها معلم للصبيان وعاد وهو قائد الجيش، ومعه طارق بن عمرو و1500 جندي، واستولى طارق بن عمرو على المدينة المنورة، واتجهت الأنظار إلى مكة التي احتمى بها ابن الزبير، ومكث الحجاج محاصرًا أهل المدينة لمدة ٦ أشهر، وكاد الزاد أن ينفد وبدأ أنصار الزبير يتخلون عنه ولعلك تتعجب حين تعلم أن اثنين من أبناء الزبير تخليا عنه، وقاتل الزبير ومعه عدد قليل وضرب الحجاج مكة بالمنجانيق وخرج عامة أهل مكة إلى الحجاج طلبًا للأمان وقتل الحجاج ابن الزبير وصلبه ووقفت بجوار أسماء بنت أبي بكر الصديق بعد أن كف بصرها بجوار جثت ابنها وقالت قولتها الشهيرة: “أما آن لهذا الراكب أن ينزل”.
الحجاج بن يوسف الثقفي واليا للعرق
تولي الحجاج ولاية المدينة المنورة لمدة ثلاث سنوات، حتى اشتكى أهلها من جبروته فعزله عبد الملك ابن مروان، و كان عبد الملك ابن مروان قد ولي المهلب بن أبي صفرة العراق لقتال الخوارج، فشترط المهلب أن يكون له خراج العراق، فرفض عبد الملك وقال: “إذن تشاركني في ملكي”، وعزله وخرج إلى الولاة والعاملين لديه وقال لهم: “ويلكم من للعراق” فقال الحجاج: “أنا لها يا أمير المؤمنين”.
يقول السيوطي في كتابه “تاريخ الخلفاء”: في سنة خمس وسبعين سار الحجاج إلى العراق وأمر الجيش أن يرحلوا وراءه وجلس على جمله بغير حشية، ولا وطاء، وأخذ الكتاب بيده، ولبس ثيابه وتعمم بعمامته حتى دخل الكوفة وحده، فجعل ينادي :”الصلاة جامعة” وصعد المنبر حاملا قوسه، حتى امتلأ المسجد بأهله ففك العمامة، وقال خطبته الشهيرة مهددًا أهل العراق.
أنا ابن جلا و طلاع الثنايا ** متى أضع العمامة تعرفوني
ثم قال يا أهل الكوفة أما والله إني لأحمل الشر بحمله و أحذوه بنعله وأجزيه بمثله وإني لأرى أبصارا طامحة وأعناقا متطاولة ورؤوسا قد أينعت وحان قطافها وإني لصاحبها وكأني أنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى تترقرق ثم قال: إني والله يا أهل العراق يا أهل الشقاق والنفاق ومساوئي الأخلاق يا أهل الفرقة والضلال ما يقعقع لي بالشنان ولا يغمز جانبي كتغماز التين، ولقد فررت عن ذكاء وفتشت عن تجربة، وجريت إلى الغاية القصوى، وإن أمير المؤمنين أطال الله بقاءه نثر كنانته بين يديه فعجم عيدانها فوجدني أمرها عودا وأصلبها مكسرًا فرماكم بي، لأنكم طالما أوضعتم في الفتن واضطجعتم في مراقد الضلال، وسننتم سنن الغي أما والله لألحونكم لحو العصا ولأقرعنكم قرع المروءة، ولأعصبنكم عصب السلمة ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل.
يا أهل العراق ما يقعقع لي بالشنان، ولا يغمز جانبي كتغماز التين يا أهل العراق والنفاق، ومساوئ الأخلاق.
حكم الحجاج أهل العراق بالحديد والنار وكان شديد القسوة عليهم سفاكًا للدماء.
الحجاج وسعيد بن جبير
سعيد ابن جبير هو أحد التابعين فقد تبع حبر الأمة عبد الله بن عباس وأخذ منه العلوم الشرعية وحفظ القران بأكثر من قرائه، وكان يؤم الناس في الصلاة، وقال عنه الإمام أحمد: “لم يكن على الأرض أفقه منه”، وكان معروفا عن الحجاج بن يوسف الثقافي أنه يحارب كل من يخرج عن رأيه، وكان بن الجبير قد اعترض على أفعال الحجاج، فأمر الحجاج بتتبعه والقبض عليه وقتل كل أصحابه، وخرج سعيد بن الجبير من الكوفة وذهب للحج فقبض عليه والي الحجاز، و أرسله للحجاج ودارت بينهما المحادثة المشهورة:
جاء سعيد بن جبير إلى الحجاج فقال له: أأنت شقي بن كسير؟! فرد سعيد: أمي أعلم باسمي حين أسمتني، فقال الحجاج غاضباً: شقيت وشقيَت أمك، فقال سعيد: إنما يشقى من كان من أهل النار، فهل أطلعت على الغيب؟
فرد الحجاج لأُبَدِلَنَّك بِدُنياك ناراً تلَظّى، فقال سعيد: والله لو أعلم أن هذا بيدك لاتخذتك إلهاً يُعبَد من دون الله، قال الحجاج: ما رأيك فيّ قال سعيد: ظالم تلقى الله بدماء المسلمين فاغتاظ الحجاج وقال له ما رأيك في أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان فقال له: هو أظلم منك لأنه سكت ورضي عن أفعالك، فرد الحجاج: اختر لنفسك قتلة يا سعيد، فقال سعيد: بل اختر لنفسك أنت، فما قتلتني بقتلة إلا قتلك الله بها، فأمر الجند أن يذبحوه، فدعا ابن الجبير قائلاً: “اللهم لا تسلطه على أحد بعدي”، وقُتل سعيد والعجيب أنه بعد موته صار الحجاج يصرخ كل ليلة: مالي ولسعيد بن جبير، كلما أردت النوم أخذ برجلي! وبعد 15 يوماً فقط مات الحجاج بمرض في معدته. ولم يُسلط على أحد من بعده.