تتوالى فصول السنة الأربعة بتقلباتها الجوية، تتساقط الأمطار والثلوج، وتهب رياح الخريف العاصفة لتطفئ أصغر ذرات اللهب التي تعترض طريقها، ولكن تبقى بقعة واحدة حيرت العلماء إذ لا تتأثر بهذه التغيرات المناخية ولم تنطفئ أبدا منذ لحظة اكتشافها، وهي شعلة نيويورك الخالدة.
شعلة نيويورك الخالدة
هي شعلة مختبئة خلف شلالات نيويورك الصغيرة، الواقعة في محمية شيل كريك، والتي تعد جزءا من متنزه تشيسنت ريدج في مقاطعة إيري غرب نيويورك، وتم اكتشافها عام 2009 وقد سميت بـ”شلالات الشعلة الخالدة” لوجود مغارة صغيرة في قاعدة الشلالات ينبعث منها الغاز الطبيعي الذي يشتعل لينتج عنه لهب صغير يبقى مشتعلا طوال العام حيث إنه لا ينطفئ ولا يمكن إخماده أبدا.
دراسات علمية
قام بعض علماء الجيولوجيا في جامعة إنديانا بلومنجتون والمعهد الوطني الإيطالي للجيوفيزياء وعلم البراكين بإجراء دراسات عام 2013، في محاولة لفهم كيفية استمرار الشعلة متقدة وحفاظ المغارة على الغاز الطبيعي، وقد استنتجوا أن الغازات المتواجدة بالمغارة تحتوي على تركيزات عالية جدا من غاز البروبان والإيثان، حيث تنتج حوالي 2.2 رطل من غاز الميثان يوميا، وهو ما يتسبب في استمرار الشعلة الخالدة.
كما لاحظ الباحثون وجود العديد من التسربات الصغيرة الأخرى في منطقة الشلالات، وبمقارنة الغاز المنبعث من هذه التسربات مع الغازات المنبعثة من الآبار في المنطقة توصلوا إلى أن الغازات تنشأ من خلال صخرة الراين والتي تقع على بعد حوالي 400 متر، أي ما يقارب 1300 قدم تحت سطح الأرض، والذي من الممكن أن يكون نشاطها التكتوني قد فتح بعض الصدوع في الصخور الزيتية مما يسمح للغاز بالوصول إلى السطح.
تحدي الطبيعة
ذكر أحد الجيولوجيين المشاركين في الدراسات التي أجريت أن إنتاج الشعلة يمكن أن يكون بسبب تحلل في الصخور الزيتية، ولكنه لم يستطع تقديم دليل قاطع يؤكد نتيجة ما توصل إليه، حيث إنه من المتعارف عليه أن الصخر الزيتي يجب أن يكون ساخنا جدا لتتحلل هياكله الكربونية وتشكل غازا طبيعيا أصغر، ورغم ذلك فإن الصخر الذي تنبعث منه الشعلة بارد جدا، كما أنه أصغر حجما وأقل عمرا من الصخور الزيتية النموذجية لإنتاج الغاز، مما يرجح احتمالية وجود محفز لديه القدرة على تكسير الصخر الزيتي في ظروف أكثر برودة.
لهيب أبدي
على عكس بعض الشعلات الأخرى في العالم التي تكون من صنع الإنسان، فإن الشعلة الخالدة في شلالات نيويورك تنفرد بلهيبها الأبدي دون أي تدخل بشري، وهو الأمر الذي ما زال يمثل لغزا يثير دهشة وحيرة العلماء.
إذ إن الأمر لا يقتصر فقط على ضحالة وبرودة الصخور الزيتية، ولكن أيضا عدم ملاءمة الظروف والأجواء المحيطة بالمكان والتي لا تساعد على الاشتعال، وهو الأمر الذي جعل الكثير من السكان المحليين يعتقدون -بحسب الأساطير الشعبية المتداولة- أن السبب يعود إلى وجود الجن والأشباح تحت سطح الأرض، وأنها المسؤولة عن الاشتعال الأبدي للهب الشلالات الخالد.
مزار سياحي
تم تسليط الضوء في الآونة الأخيرة على شلالات الشعلة الخالدة حيث تناولت وسائل الإعلام الحديث عنها، كما تم إدراجها كأحد المعالم الغريبة التي تناولها المؤلف بروس كيرشنر في كتابه “الأماكن السرية“، الأمر الذي ساعد في شهرة منطقة الشلالات حتى أصبحت من أكثر المناطق جذبا للزوار والسياح على مدار العام.
كما أنها ما زالت محط اهتمام كثير من العلماء والباحثين الذين يقطعون آلاف الأميال لدراسة المنطقة والصخور تحت سطح الأرض، فلربما استطاعوا الوصول إلى إجابة السؤال الذي لا يزال مطروحا وهو: كيف بقيت هذه الشعلة الصغيرة خالدة حتى وقتنا هذا؟