للوهلة الأولى قد تظن أنك ترى بركة من الدماء الناتجة عن نزيف مئات الكائنات الحية، ولكنك إن أعدت التدقيق ستكتشف أنك تقف أمام واحدة من أهم وأغرب الظواهر الطبيعية، أهدتها لنا الطبيعة بشكل فريد من نوعه، والتي تتمثل في “شلالات الدم“.
أنتاركتيكا
القارة القطبية الجنوبية أو “أنتاركتيكا”، تلك المساحة الهائلة النائية في أقصى جنوب الكرة الأرضية والتي تقدر بـ14 مليون كليومتر مربع، ويغطي الثلج ما نسبته 98% من كامل مساحتها بمتوسط سماكة 1.9 كيلومتر، لذا تعد أكثر القارات برودة.
على الرغم من التقدم العلمي والتكنولوجي في العصر الحديث، إلا أن أنتاركتيكا تعتبر أحد أكثر المناطق غموضا على سطح الأرض، وما زالت تحوي العديد من الألغاز والأسرار الطبيعية ومن بينها شلالات الدم الواقعة شرق القارة القطبية.
شلالات الدم
هي شلالات تنساب بلونها الأحمر القاتم، في مشهد مثير للدهشة والرعب في آن واحد، والذي تسبب في حيرة العلماء لعدة سنوات، ويعود فضل اكتشاف هذه الشلالات إلى الباحث الجيولوجي توماس تايلور، الذي اكتشفها صدفة في عام 1911 عند وجوده في القارة القطبية، حيث تقع بين الضفاف المتجمدة لنهر تايلور الذي استمد اسمه من اسم مكتشفه، في هضاب ماكموردو الجافة في أرض فيكتوريا، شرق القارة القطبية المتجمدة، أنتاركتيكا.
تضارب آراء
تباينت الآراء واختلفت التحليلات حول كيفية تكوين شلالات الدم، حيث أتاح لغز هذه الشلالات مجالا للعلماء والباحثين لدراسة العديد من التساؤلات المطروحة، والتي من شأنها إضافة معلومات قيمة لهذه الحياة المعزولة عن عالمنا فوق سطح الأرض.
بعض العلماء رجحوا نظرية وجود عدد هائل من الطحالب الحمراء، والتي من المفترض أنها أكسبت الشلالات هذا اللون الأحمر القاتم، ولكن بعد عدة سنوات أجريت بعض الدراسات الأخرى على يد فريق من العلماء، والتي تضمنت المستكشف الناشئ في ناشيونال جيوغرافيك “إيرين سي بيتيت”، وقد جاءت هذه الدراسات لتنفي نظرية الطحالب نفيا قاطعا، حيث استطاعت أن تصل أخيرا إلى السبب الحقيقي وراء ظاهرة اللون الدموي للشلالات.
التجمد يقف حائلا
لم يكن من السهل الوصول إلى تفسير علمي يحلل هذه الظاهرة، فقد شكل الأمر لغزا كبيرا في السابق نظرا لضعف الإمكانيات والتقنيات، والتي لا تتناسب مع درجة حرارة النهر، حيث يبلغ متوسط درجة حرارة المياه المتدفقة 1.4 درجة فهرنهايت أي -17 درجة مئوية، الأمر الذي جعل إمكانية رؤية القليل من الذوبان الجليدي على السطح شبه مستحيلة.
العلم يزيح الستار
وبمرور الوقت بين تيار التقدم والتطور الهائل الذي يشهده العلم، استطاع العلماء استخدام تقنية التصوير أسفل النهر الجليدي عن طريق استخدام الرادار لمسح طبقات الجليد التي ينصب منها نهر تايلور، وقد ساعدت هذه التقنية على كشف شبكة معقدة جدا من الأنهار تحت الجليدية.
بالتحليل الدقيق لهذه الشبكة اكتشف العلماء امتلاءها بمحلول ملحي يحتوي على نسبة عالية جدا من الحديد، ويؤدي التلامس ما بين المياه الغنية بالحديد وبعض العناصر الأخرى والهواء، إلى حدوث تفاعلات فيما بينها، ما يؤدي إلى أكسدة الحديد في تلك المياه شديدة الملوحة بالمنطقة، ويكتسب أكسيد الحديد اللون الأحمر القاتم ما يؤدي إلى تصبغ المياه بهذا اللون.
وبحسب الدراسات التي أجريت تم التوصل إلى أن هذا المحلول الملحي لا يتجمد، بل إنه يتدفق عبر النهر حيث يبقى سائلا في الطبقات تحت الجليدية كنتيجة لوجود حرارة التجمد الكامنة، كما أرفق العلماء رسما بيانيا يوضح جزءا من هذه الدراسات التي أجريت، والتي حددت بإيجاز طبيعة تكوين نهر تايلور، وكيفية حقن المحلول الملحي في المياه المجمدة، كذلك طريقة ذوبانه التي تؤدي إلى تغطية الشلالات بلونها الأحمر.
علاقة طردية
كما تم التوصل أيضا إلى علاقة بين درجة حرارة المياه ومحتوى المحلول الملحي، والتي أوضحت كيفية مرور محلول الملح في النهر الجليدي عن طريق العديد من الشقوق مختلفة الأحجام، ثم عملية التجمد التي يتعرض لها، وما يحدث بعد ذلك هو أن الحرارة الكامنة التي تتزايد تتسبب تلقائيا في تسخين الجليد المحيط به، مما يرفع تركيز وكثافة المحلول الملحي داخل الشقوق، الأمر الذي يؤدي بالتبعية إلى زيادة نسبة أكسيد الحديد والتي اعتبرها العلماء العامل الرئيسي المتسبب في ظاهرة شلالات الدم.