في الوقت الذي يجاهد فيه الإنسان للبقاء على قيد الحياة عند انعدام الماء لعدة أيام فقط، توجد العديد من الكائنات الحية التي تستطيع العيش بدون ماء لسنوات متتالية، وهو الأمر الذي أثار فضول العلماء وكان نقطة جذب واهتمام للعديد من الدراسات التي قاموا بها، في محاولة لفهم طبيعة تكوين هذه الكائنات، والتوصل إلى السبب الرئيسي الذي يمكنها من العيش في أوقات قد يصل فيها الجفاف إلى ذروته.
كائنات حية تتحدى الجفاف
تؤثر ندرة الماء وشربها بكميات قليلة سلبا على جميع الكائنات، حيث يفقد الإنسان على سبيل المثال ما بين 4 إلى 9 أكواب من الماء يوميا، وهو الأمر الذي يحدث نتيجة عملية التعرق والتبول، وفي حالة عدم تعويض الجسم هذا الكم المفقود يتعرض الشخص لعملية جفاف وفقدان تام في السوائل.
يبدأ الإنسان حينها تدريجيا في الشعور بالإعياء والصداع الشديد وكذلك ضعف العضلات، حتى يتطور الأمر إلى تسارع في نبضات القلب والذي يؤدي بالتبعية إلى فقدان الوعي أو الوفاة إن لم يتم إنقاذ الأمر سريعا، ولكن يبدو أن بعض الكائنات الحية الأخرى تكافح دون علمنا حتى تتمكن من البقاء على قيد الحياة عن طريق مواجهة هذا الجفاف والتصدي له بقوة، وخاصة تلك الكائنات التي تعيش في بيئات جافة موسميا.
خزان داخلي
كتلك المنازل المتواجدة في الصحراء التي تحتوي على خزانات لحفظ الماء، توجد أيضا بعض الحيوانات التي تمتلك خزانا داخليا وهو الأمر الذي اكتشفه العلماء والباحثون بعد العديد من الدراسات التي أذهلتهم نتائجها.
لم يتوقع العلماء وجود هذه القدرة التي منحها الله لبعض الكائنات الحية والتي تؤهلها للاحتفاظ بالسوائل وتخزين المياه في مثانتها لشهور وسنوات، وكان من بين هذه الكائنات المكتشفة سلحفاة الصحراء والسلاحف الضخمة التي تعيش في جزر الغالاباغوس، حيث تستطيع هذه السلاحف أن تملأ جدار مثانتها بالماء بمجرد هطول الأمطار، أو عند تغذيتها على الأوراق الخضراء الغنية بالسوائل.
ما يحدث بعد ذلك أن السلاحف تحتفظ بهذه السوائل في مثانتها ثم تلجأ إليها عند حدوث الجفاف أو ندرة المياه، عن طريق استخراج المياه من جدارها الذي يسمح بنفاذ السوائل منه، وقد ذكر الباحث “غلين والسبيرغ” من ولاية أريزونا في مدينة فينيكس، أنه يجب على الشخص أن يأخذ احتياطه جيدا عند الإمساك بهذه السلاحف المنتفخة، حيث يمكن أن يفاجأ أمامه ببركة من الماء على الأرض بمجرد الضغط عليها مما يعني أنه قد أهدر الخزان الداخلي لها والذي ستعتمد عليه فيما بعد.
ثمة نوع آخر من الكائنات الحية التي لديها القدرة على مواجهة الجفاف، وهي فصيلة الضفدع الأسترالي الذي أطلق عليها العلماء الحامل للماء، حيث تقوم بتخزين المياه في خياشيمها وأنسجتها وكذلك مثانتها، وقد اكتشف العلماء أن هذا الحيوان البرمائي يحتفظ بكمية من الماء تكفي أضعاف وزنه، وهو الأمر الذي يساعده على العيش دون ماء لمدة قد تصل إلى 5 سنوات.
حتى إن سكان الصحراء يلجؤون إلى استخدام هذه الضفادع في أيام الجفاف ويتعاملون معها على أنها صهاريج لتخزين المياه، حيث يحفرون لاستخراجها ثم يقومون بعصرها جيدا لتضخ كميات وفيرة من المياه المختزنة في مثانتها، كما أن بعض الكائنات الحية التي تعيش في الصحراء كالثعابين، والتماسيح، والكلاب البرية، تستخدم هذه الضفادع أيضا كوجبات أساسية تروي عطشها، حيث تلتهمها خلال أيام الجدب لتزود أجسادها بالكم الذي تحتاجه من السوائل.
وجد الباحثون نوعا آخر من الضفادع في أمريكا الشمالية وهي “الضفادع الصحراوية”، إذ تمتلك أقداما تشبه المخالب والتي تعتبر عاملا مساعدا لها عند قيامها بحفر جحورها في أعماق الأرض لتختبئ بها ثلاثة أرباع العام تقريبا، ووفقا لما ذكره والسبيرغ في دراسته فإن هذه الضفادع بمجرد أن تشعر بالأمان داخل جحورها تبدأ بتغليف جسدها بإحكام عن طريق طبقة مخاطية تساعدها على ادخار الماء في جسمها، لتقوم باستهلاكه خلال 10 شهور تقريبا قبل أن تخرج من جحورها مرة أخرى عند شعورها بهطول الأمطار الغزيرة في الخارج.
كائنات مدبرة
لا يقتصر مفهوم التدبير فقط على الإنسان، فهناك الكثير من الكائنات التي اكتسبت بالفطرة قدرتها على التدبير والاقتصاد في استهلاك المياه، حيث تقوم بإيقاف التسرب البطيء للرطوبة التي تنتج عن التعرق والتبول وإخراج فضلات الجسم بشكل عام.
من ضمن هذه الكائنات جرذان الكنغر حيث تتمتع هذه الجرذان بقدرة هائلة على استعادة الماء من البول قبل إخراجه، إذ تمتلك كليتين تتضمنان أنابيب دقيقة جدا وهي التي تمكنها من القيام بهذه العملية، حيث تستخلص المزيد من الماء وتضخه مرة أخرى إلى الجسم قبل أن يخرج في صورة بول، ولذا يكون دائما بولها شديد التركيز وقليلا للغاية.
كما توصلت الدراسات الحديثة إلى أن هذه الجرذان تمتلك جرابين مبطنين بالفراء على جانبي وجهها، وهما يخلوان تماما من الغدد اللعابية وينفصلان عن الفم، وهو الأمر الذي يجعلها لا تهدر نقطة لعاب واحدة أثناء نقل البذور.
ماذا لو اشتد الجفاف؟
ولكن برغم أن هذه الكائنات الصحراوية استطاعت التكيف مع جميع الأوضاع المناخية، إلا أن هذا الأمر لا يعني بقاءها الدائم على قيد الحياه في ظل تلك الظروف، فأحيانا تكون موجات الجفاف شديدة جدا في بعض المناطق نتيجة التغير المناخي، مما يعني قلة الفترات التي تثمر فيها النباتات وهو ما يؤثر بالتبعية على إنتاج الطعام لهذه الكائنات الحية، وهو ما يعرقل عملية تكيفها مع هذه الظروف رغم كل القدرات التي تتميز بها، حتى ينتهي بها المطاف أخيرا إلى الموت مثل جميع الكائنات المحيطة بها.