إن كنت من محبي المخاطرة، وممن يمتلكون الشجاعة والجرأة الكافية، فكل ما عليك فعله هو التوجه إلى “جبل هوا” في الصين لتسلق أعلى قمم الجبال، حيث تجد نفسك ممسكا بسلاسل حديدية تربطها بعض الأقفال التي غطاها الصدأ من جميع الجوانب، ولكن كن حذرا فمجرد الالتفات يمينا أو يسارا يعني سقوطك على الفور.
جبل هوا
يقع جبل هواشان أو جبل هوا كما يطلق عليه بالقرب من مدينة هوايني في مقاطعة شنشي في الصين، وهو أحد الجبال الخمسة المقدسة الكبرى في الصين، والذي تم تصنيفه في الأصل على أنه جبل ذو 3 قمم ولكن في العصر الحديث صنف على أنه يتكون من 4 قمم، شمالية، غربية، شرقية، وأخيرا القمة الجنوبية والتي تعتبر أعلى قمة فيه حيث يبلغ ارتفاعها 2154 مترا أي 7070 قدما، الأمر الذي أكسب جبل هوا شهرة كبيرة وجعله أحد أكثر مناطق الصين جذبا وكذلك رعبا، إذ تعتبر زيارته والصعود إلى قمته مجازفة تحفها المخاطر من جميع الاتجاهات.
طريق الموت
توجد 3 طرق مؤدية إلى قمة هوا الشمالية وهي أكثر القمم انخفاضا حيث يبلغ ارتفاعها 1614 مترا والتي تعتبر المسار الوحيد المؤدي للقمم الأخرى، ويعتبر مضيق هواشان هو الطريق التقليدي والأكثر شهرة لهذه القمة والذي تم تطويره لأول مرة في القرن الثالث إلى القرن الرابع الميلادي، ويستغرق الصعود إليه ما بين 3 إلى 4 ساعات حيث يبلغ طوله 6 كيلومترات، ويكون التسلق في أول 4 كيلومترات ببطء شديد حتى بلوغ السلالم التي يبلغ طولها 2 كيلومتر تقريبا.
كما يوجد طريق آخر تم ترميمه حديثا عام 2000، وهو الطريق المعروف فقط لدى القرويين المحليين الذين عاشوا بالقرب من هذه الممرات الضيقة منذ عام 1949، والذين استعان بهم مجموعات جنود جيش التحرير الشعبي الصيني كمرشدين محليين لمساعدتهم في تسلق هذا المسار، وقد استطاعوا حينها أسر 100 جندي من الكومينتانغ المتمركزين في القمة الشمالية وهو ما أدى بعد ذلك إلى تسمية الطريق بطريق الاستيلاء الذكي.
ويكون الصعود عن طريق هذا الممر أصعب من الطريق التقليدي حيث يتكون من سلالم ضخمة شديدة الانحدار منحوتة في الصخور، يبلغ عددها ما بين 2000 إلى 3000 درجة، ويستغرق الصعود عليها ساعتين تقريبا،
ورغم ذلك يعتبر هذا المسار هو الأفضل للأشخاص الذين يخشون المرتفعات أو لا يرغبون في تحمل مخاطر هم في غنى عنها.
ثم فتح خط التليفريك في التسعينيات وتم تجديده عام 2013 في محاولة لمساعدة الزوار، إذ يعتبر أقرب وأسرع وأكثر الطرق أمانا إلى القمة الشمالية، ولكنه بالطبع أكثرها تكلفة وهو الأمر الذي يجعل البعض مجبرين على المخاطرة واختيار الطرق الأخرى غير الآمنة.
البحث عن الخلود الزائف
لا ينفك الزوار عن التوجه إلى جبل هوا على مدار العام، نظرا لأهميته الدينية في المقام الأول لدى السكان المحليين، وكذلك المناظر الخلابة على بعد مئات الأمتار والتي يتسنى للسياح رؤيتها أثناء رحلة التسلق وعند وصول القمة، إذ يعتبرونها هدفا يستحق المخاطرة.
وتعود أهمية جبل هوا التاريخية الدينية لوجود مجموعة متنوعة من المعابد والهياكل الدينية الأخرى على قممه ومنحدراته، والتي تعود إلى العصور القديمة، ومن أبرزها معبد تشن توان، وهو الحكيم الطاوي القديم الذي يعود إليه فضل إنشاء رياضة الكونغ فو، والذي ارتبط اسمه أيضا بطاقة تشي والتي يطلق عليها “الطاقة المادية” أو “قوة الحياة”، وتعتبر المبدأ الأساسي في الطب التقليدي وفنون الدفاع عن النفس الصينية، وهي عبارة عن حركات وبعض التمارين التي صممت خصيصا للوقاية من الأمراض التي تحدث خلال التغيرات الموسمية على مدار العام.
الأمر الذي أعطى شهرة كبيرة للجبل وجعل الكثيرين يعتقدون بأنه المكان الأمثل للباحثين عن الخلود، حيث يوجد 20 معبدا أيضا على سفح الجبل والقمة الجنوبية، وتعتمد هذه المعابد على الوسطاء الروحانيين ويتم فيها زراعة الأدوية العشبية الصينية مما أدى إلى توافد الكثير إليها من جميع أنحاء البلاد وليس الصين فقط.
وقد اعتقد القرويون المحليون قديما بأن الوصول إلى الجبل متاح فقط لأولئك القادرين على تحدي الصعاب الذين يمتلكون إرادة قوية للتعافي والتغلب على أمراضهم، حيث تساعدهم هذه المعابد على الخلود الأبدي عن طريق استخدام الطاقة المادية والأدوية الشعبية، وبالرغم من أنه اعتقاد خاطئ بل خرافة وبالرغم أيضا من إغلاق الكثير من هذه المعابد في عصرنا الحديث، إلا أن جبل هوا لا يزال يرتبط ارتباطا وثيقا لدى السكان المحليين بهذه الخرافة، مما جعله وجهة للآلاف رغم تصنيفه ضمن أخطر الرحلات في العالم.