نشأ مصطلح تأثير بقعة الضوء على يد العالمين توماس جالوفيتش وكينيث سافيتسكي بحلول العام 1999، عندما تم تقديمه للمرة الأولى كمصطلح علمي في جريدة العلوم النفسية. على الرغم من أن هذه الحالة قد تم شرحها بفضل جهود سابقة، إلا أن الأبحاث التي أجراها كليهما وضعت الظاهرة بموضع يجعلها تستحق الدراسة بصورة أكثر جدية من المجتمع العلمي.
تأثير «بقعة الضوء» هو أحد أشكال الانحياز الإدراكي، التي تتسبب في زيادة تقدير الفرد للمواقف التي يتعرض لها وخاصةً المحرجة منها، لهذا السبب يتخيل الإنسان أحيانًا أن بالتزامن مع تعرضه لموقف محرج، يكون المحيطون به جميعًا مهتمون بالنظر إليه، كمثال على ذلك، ربما نشعر جميعًا بالإحراج حين تلطخ ملابسنا بأي بقعة حتى ولو صغيرة أثناء تواجدنا خارج المنزل، لأننا نعتقد آنذاك، بأن كل من حولنا يلاحظون ذلك. مع أن هذا قد لا يكون صحيحا على الإطلاق.
أشكال
يمتد هذا التأثير ذا الوقع السيء على تفكير عدد لا بأس به من البشر إلى معظم ممارسات الحياة اليومية تقريبًا، مما يؤثر على طريقة تفكير وردّات فعل الأفراد المتعرضين له بالسلب، وحتى تدرك حقيقة أنه تقريبًا كل البشر قد تعرضوا لهذا التأثير الخاص بـ”دائرة الضوء” ولو لمرة واحدة على أقل تقدير، إليك بعض الأمثلة.
– عندما ترتدي ملابسا ليست متناسقة من حيث الألوان من وجهة نظرك، لمجرد أنك لم تمتلك وقتًا للعناية بما ترتديه، غالبًا ستتوقع أن جميع من ستقابلهم اليوم سينظرون إليك كمُهرّج يرتدي ألوانًا غريبة، وستظل تنظر إليهم مطولا لمحاولة استنباط رأيهم حول ما ترتديه.
– تخيل أنك تمتلك ساعة “مُقلّدة” شبيهة لتلك التي يمتلكها صديقك، غالبًا ستحرص على أن لا يتطرق الحديث بينكما حول إذا ما كانت هذه الساعة أصلية أو مُقلّدة، فأنت بفعل تأثير بقعة الضوء قد تأكدت بأن صديقك سيلاحظ ارتدائك لهذه الساعة تحديدًا دون شك.
-خلال الاجتماعات، يعاني المتأثر ببقعة الضوء من استمرار التفكير حول حجم الانطباع السيء الذي تركه على الآخرين أثناء إلقائه لبعض العبارات التي يظن بأن الجميع قد سمعها بإصغاء.
في دراسة أكاديمية حاولت تمثيل التعرض لهذه الظاهرة، تم أخذ عينة عشوائية من الطلبة بإحدى الجامعات، ليتم استنتاج أن الواقعين تحت تأثير بقعة الضوء، يصبون اهتماما وتركيزا على تفقُّد ملامح ولغة جسد المحيطين بهم، للوصول إلى الانطباع الذي كونوه -الزملاء- عنهم.
لماذا نحن هنا؟
علميًا؛ نتعرض لتأثير بقعة الضوء، لأننا دائما ما نسعى للتفكير في نظرة الآخرين إلينا، وهذا ما يمكن وصفه بالـ”إنحياز الأناني“، وهو الرغبة في أن تتماثل وجهة نظر الآخرين تمامًا مع وجهة نظرنا بكل الأمور، على الرغم من أن هذا يبدو مستحيلا، لأن كل إنسان يتابع أي شيء من منظوره الشخصي الذي يختلف تمامًا عن الخاص بغيره.
تلي هذه المحاولة لمماثلة وجهات النظر، مشكلة أخرى وهي “التوهُّم” بحيث يبدأ الإنسان باختلاق سيناريو من وحي خياله لم يحدث سوى داخل عقله، مثل أن يقتنع بأن كل المحيطين به قد استطاعوا ملاحظة البقعة الصغيرة التي تلطخت بها ملابسه.
الحل
يرى الأطباء النفسيون، أنه يجب مصارحة من يعاني السقوط بقوة تحت رحمة ذلك التأثير أنه إذا ما استمر كذلك، ربما يتعرّض لمضاعفات مثل الاكتئاب، لأنه طالما ظل يفكر طويلا فيما يعتقده الناس عنه، قد يحرم نفسه من تجارب عدّة وإنجازات ممكنة، كما يجب التأكيد بالتوازي مع ذلك على أن رأي الآخرين لا يجب أن يكون محل الاهتمام الأول لأي إنسان، وإن كان مهمًا، لا يجب أن يكون بهذه الدرجة المرضية من الأهمية.
هنالك تكنيك آخر يمكن إتباعه للحد من تأثير بقعة الضوء، وهو محاولة الفرد للنظر إلى الأمور بعين الآخر، بمعنى أن ينظر لتصرفاته من منظور الشخص الذي يخشى رأيه، آنذاك، ربما يجد بأن الإحراج الذي يتوجس منه ما هو إلا مجرد هاجس لا وجود له.
بطريقة أخرى، يمكن أن يتساءل الإنسان عما إذا كان “هو” سيلاحظ ما يظنه محرجًا إذا ما قام به شخص آخر، بمعنى أوضح، هل كان ليلاحظ “هو” البقعة الصغيرة التي يعتقد أن الجميع يلاحظونها على قميصه، إذا ما كانت على قميص شخص آخر؟ بالتأكيد لا.
هنا يمكننا أن نصل إلى نقطة تلاقٍ، تأثير بقعة الضوء هو خلل نفسي، قد يصيب أي إنسان في أي وقت، لكنه ليس مرضًا، وعلاجه يبدأ بأن يتخلى الإنسان عن عن اعتبار نفسه محل اهتمام وتتبع كل المحيطين به، لأن بالفعل هذه هي الحقيقة.