هل تساءلت يومًا كيف يتمكّن بعض البشر من البقاء نحيفين على الرغم من تناولهم ما يحلو لهم، بينما تكتسب أنت وزنًا بمجرد ابتلاعك الهواء، والحقيقة أن السر في امتلاك هذه الفئة جسدا نحيفا لا يرجع بالضرورة إلى حمية غذائية قاسية أو نظام تدريبات رياضية شاق، لكن يبدو أن القصة أكثر تعقيدًا من ذلك.
الجينات الطيبة
ضمن دراسة هي الأكبر من نوعها، قرر فريق بحثي مقارنة الجينات الخاصة بعينة مكونة من 14 ألف فرد، بعد تقسيمهم لأوزان مختلفة، لمحاولة استكشاف إذا ما كانت الجينات عاملًا مؤثرًا في وزن الإنسان.
طبقًا لساداف فاروقي، الأستاذ بمعهد «MRC Wellcome» لعلوم التمثيل الغذائي بجامعة كامبريدج، تم العمل على نتيجة هذه الدراسة المدعومة من مجلس البحوث الأوروبي، لمعرفة كيف ولماذا يحافظ بعض البشر على نحافتهم بشكل أسهل من الآخرين.
حسب دراسات سابقة، بعض الجينات المعيبة هي السبب الرئيسي للسمنة المُفرطة التي تصيب البعض بسنٍ مبكرة، ومن المُقترح أن مزيجًا ما من “جينات النحافة” أو بالأحرى، غياب الجينات المرتبطة بالسمنة، قد يساعد الإنسان على البقاء نحيفًا دون تدخُل حقيقي منه.
يقول أحد أعضاء فريق البحث: “يُظهر هذا البحث لأول مرة أن الأشخاص النحيفين الأصحاء نحيفون بشكل عام لأن لديهم عبئا أقل من الجينات التي تزيد من فرص الشخص في زيادة الوزن وليس لأنهم متفوقون من الناحية الأخلاقية بحفاظهم على صحتهم وما إلى ذلك“.
قام البروفيسور فاروقي وفريقه بمساعدة الطبيب إينيس باروسو، بجمع ومقارنة الحمض النووي لكل المتطوعين لإجراء هذه الدراسة، مع تقسيمهم 3 مجموعات، مجموعة مِمن اكتسبوا وزنًا بعدما كانوا نحيفين، ومجموعة ممن يعانون من السمنة، ومجموعة أخيرة من أصحاب الوزن المتوسط.
في النهاية، استنتج الفريق الآتي.. الحمض النووي البشري يتكون من سلسلة من الجُزيئات، تسمى «أزواج القاعدة» ويشار إليها بأحرف مثل A، C، G وT، وتشكل هذه السلاسل المناطق الجينية، في العموم، توّضح الجينات طريقة عمل وتوظيف أعضاء الجسم، بالتالي، أي تغيُّر في ترتيب أي سلسلة من هذه السلاسل ينتج عنه تغيير في الوظيفة، مثل لون العين أو الشعر، وبالتأكيد الوزن.
لأننا أسرى الجينات
أثناء الدراسة، اكتشف البروفيسور فاروقي وفريقه عددًا من المتغيرات الجينية، التي تم وصفها بالمسببة للسمنة، بنفس الصدد، تم التأكيد على ذلك، مع التأكيد أيضًا على وصول فريق البحث لمتغيرات جينية جديدة، يمكنها كذلك أن تلعب دورًا محوريًا في النحافة الصحية.
ولمعرفة كيفية تأثير الجينات فعليا على وزن الفرد، تم التوصُّل لما يعرف علميًا بـ”درجة المخاطر الجينية”، وهي إحدى الطرق المهمة لتقييم القدرة على التنبؤ بالمخاطر في البحث الوبائي، تسمى طريقة تضمين عوامل القابلية الوراثية لتسجيل المخاطر، وذلك لتقييم تأثير عوامل الحساسية الجينية في نماذج التنبؤ بالمخاطر.
كما كان متوقعًا، فالأشخاص الذين يعانون من السمنة المفرطة، سجّلوا تقييمًا مرتفعًا على مقياس درجة المخاطر الجينية، مما يجعلهُم أكثر عرضة للإصابة بزيادة الوزن أكثر من غيرهم، على العكس تمامًا فقد سجل أصحاب الوزن القليل (النحيف) تقييمات أقل على نفس المقياس، كما أن الأشخاص الأكثر نحافة يفتقدون لبعض المتغيرات الجينية المعروفة بكونها سببا في اكتساب الوزن أو السمنة.
في النهاية وصل الفريق البحثي لنتيجته النهائية، بأنه بغض النظر عن نظام الحميات الغذائية المُتبع، وأسلوب حياة الفرد بشكل عام، الأمر أحيانًا يعود للاختلاف الجيني بين شخص وآخر.
ويختتم ساداف فاروقي معلقًا على هذه الفكرة برمتها، بأنه بعد إقرارنا بأن بعض التغيّرات الجينية يمكن أن تكون أحد أسباب اكتساب الوزن أو السمنة المفرطة، إذن فمن الممكن مستقبلا أن يتم استهداف الجينات المسؤولة عن الوزن بعينها، لخلق استراتيجية جديدة لإنقاص الوزن، لكن إلى أن يحدُث ذلك، فيجب الأخذ بالاحتياط والتعامل مع تناول الطعام بشكلٍ معتدل، لأنه من الممكن أن تكون أحد من تلعب الجينات ضدهم، بالتالي، الأصح هو اتباع الطرق المعتادة لإدارة الوزن.