ثقافة ومعرفة

الأصمعي.. “شيطان الشعر” و”صناجة الرواة”

هل سمعت يومًا عن الأصمعي؟ ربما لم يحالفك الحظ في معرفة الكثير عنه، إنه أحد أئمة اللغة والشعر والأدب والبيان وهو أحد الرواة الموثوق بهم، وله عدة مؤلفات أشهرها الأصمعيات، وكان من ألمع علماء عصره، فهو من أكابر العلماء، وقد ذاع صيته، ونال شهرة واسعة جعلته يحظى برفقة الخلفاء في زمانه، فضلًا عن أنّه كان من أهم الرواة وألمعهم، فقد أخذت مرويّاته حيّزا واسعا جدًا في كتب اللغة فضلا عن كتب النحو، فلا يكاد يخلو كتاب من كتب النحو من إنشاد أو رواية أو حكاية عن الأصمعيّ.

اسمه ونسبه

يعتبر الأصمعي من أكثر علماء اللغة الذين لهم تراجم مفصلة ومختصرة عن حياتهم، ووفقًا لما جاء في أخبار النحويّين البصريّين أن اسمه عبد الملك بن قريب، ويُكنّى أبو سعيد، واسم قريب عاصم، ويكّنى بأبي بكر بن عبد الملك بن أصمع بن مطّر بن رياح بن عمرو بن عبد الله الباهلي.

وورد في كتاب مراتب النحويّين أنّه أبو سعيد عبد الملك بن قريب بن أصمع بن علي بن أصمع الباهلي، أما في كتاب إنباه الرواة للقفطى فقد أثبت أنّه: (عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع بن مظهر بن رباح بن عمرو بن عبد شمس بن أعيا بن سعيد بن عبد بن غنم بن قتيبة بن معن بن مالك بن أعصر بن سعد بن قيس عيلان، أبو سعيد الأصمعيّ)، ولقب بالأصمعيّ نسبة إلى جدّه أصمع.

مولده ونشأته

ولد الأصمعي سنة 123هـ، في مدينة البصرة بالعراق وتتلمذ على أيدي علمائها، ثمّ انتقل إلى بغداد أيام هارون الرشيد الذي استدعاه إلى بلاطه في بغداد، وجعله مؤدّبا ومعلمًا لأولاده، وذكرت كتب التراجم أنّ الأصمعيّ كان يتصف بصفات حسنة، فقد كان صادق الحديث، ولم يرَ الناس أحضر جوابا، وأتقن لما يُحفظ من الأصمعيّ، ولا أصدق لهجة منه.

وكان شديد الورع، وبلغ من حرص الأَصمعِيّ على الدين أنه كان لا يُفَسّرُ شعرًا يوافق معناه القرآن الكريم ولا يفسّر شيئا من القرآن ولا شيئا من اللغة له نظير أو اشتقاق في القرآن وكذلك في الحديث، وكان لا يفسّر شعرًا فيه هجاء، ولم يرفع من الحديث إلا أحاديث يسيره، وكان صدوقا في كل شيء.

ويذكر أبو الطيب أنّه كان لا يفتي إلا فيما أجمع عليه العلماء، وقد جعل َالسلوك الأَخلاقي من أسباب تفضيل شاعر على آخر، فقد رفض شعر المزرد، وقال: « ليس بدون الشماخ، ولكنه أَفسَدَ شِعره بما يهجو به الناس»، وكان يرى أن الدينَ خطّ أحمرَ.

صفاته

كثر الحديث عن الأصمعيّ نظرًا لأنه رجل علم، وقد ترك آثارًا واضحة في المجالات المعرفية المتنوعة التي برع فيها. اشتهر الأصمعي بقوة الذاكرة والمقدرة الشديدة على الحفظ، فذكرت كتب التراجم كثيرا من الأخبار التي تشير إلى هذه الصفة، فقد كان الأصمعيّ يقول: أحفظ 16 ألف أرجوزة.

وروي عن ابن الأعرابي في كتاب (أخبار النحويّين البصريّين) أنّه قال: شهدت الأصمعيّ وقد أنشد نحوا من 200 بيت ما فيها بيت عرفناه، ويقول أبو الطيب اللغويّ (في كتاب مراتب النحويّين): فأمّا حضور حفظه وذكاؤه فإنّه كان في ذلك أعجوبة، وكان إسحاق بن إبراهيم الموصلي يقول: عجائب الدنيا معروفة معدودة، منها الأصمعيّ، إشارة إلى حضور حفظه.

وعقد ابن جني في كتابه الخصائص بابا تحت عنوان (باب في صدق النَقَلَة، وثقة الرواة والحَمَلَة) وكان يُثني فيه على الأصمعيّ، ويدافع عنه بقوله: (وهذا الأصمعيّ ـ وهو صَنّاجة الرواة والنَقَلة، وإليه محط ّالأعباء والثقلة، ومنه تجنّى الفِقَر والملح، وهو ريحانة كلّ مغتبق ومصطبَح ـ كانت مشيخة القرّاء وأماثلهم تحضره، وهو حَدَث، لأخذ قراءة نافع عنه)، وكان الرشيد يسمّيه شيطان الشعر، وقد (قيل للأصمعي: كيف حفظت ونسي أصحابك؟ قال: درست وتركوا).

والصَّنْجُ: شيء يُتَّخذ من صُفْرٍ يُضْرَبُ أحدهما على الآخر، وهو أيضا آلَةٌ ذات أوتار يُضرَب بها، واللاعب بها الصَّنْاجُ والصَّنّاجَةُ، واللقب له علاقة بالخاصية الصوتية السمعية، وصح لدى العرب أن يستعار للرواية الشفاهية السماعية، ولذا لقب الأصمعي بصناجة الرواة.

مؤلفاته

للأصمعي مؤلفات عديدة سردها ابن النديم في كتابه الفهرست، ويمكن ذكرها على النحو الآتي: غريب القرآن، وخلق الإنسان، والأجناس، والأنواء، والهمز، والمقصور والممدود، والصفات، وخلق الفرس، والإبل، والخيل، والشاء، والميسر والقداح، والأمثال، وفعل وأفعل، والاشتقاق، وما اتّفق لفظه واختلف معناه، والفرق، والأخبية والبيوت، والوحوش، والأضداد، والألفاظ، والسلاح، واللغات، ومياه العرب، والنوادر، وأصول الكلام، والقلب والإبدال، وجزيرة العرب، ومعاني الشعر، والمصادر، والأراجيز، والنخلة، أو (النحلة)، والنبات، ونوادر الأعراب، وغريب الحديث، والمذكر والمؤنث، والكلام الوحشي، والسرج واللجام.

ما هي قصة الأصمعيات؟

الأصمعيات هو كتاب يضم مجموعة من الأشعار القديمة، هذه الأشعار تنسب إلى العصر الجاهلي، والعصر الإسلامي يمتد إلى أواسط العصر الأموي، وأغلب الظن أن الأصمعي ترك كتابه هذا دون تسمية، وجاء تلاميذه من بعده وأطلقوا عليه اسم (الأصمعيات) لحبهم الشديد له ولكثرة مطالعتهم لأشعاره، ولتميزه عن كتاب (المفضليات).

بلغ عدد القصائد في الأصمعيات حوالي 92 قصيدة، أما عدد الشعراء فبلغ 71 شاعرًا، فيهم المشهورون كامرئ القيس وعمرو بن معدي كرب، وفيهم المغمورون مثل ضابئ بن الحارث، وبلغ عدد أبيات الشعر التي احتوتها الأصمعيات 1439 بيتًا.
يبدأ الكتاب بقصيدة ((سُحَيْمُ بن الرياحي أحد بني حِمْيَرِ)) التي مطلعها
أًنا ابنُ جَلَا وطلَّاعُ الثَّنَايا متَى أَضَع العِمامةَ تَعْرِفُوني
وقد ألقى الحجاج بن يوسف الثقفي هذه القصيدة الشهيرة علي أهل الكوفة حين تولي ولاية العراق.

وفاته

لم يتّفق مؤلفو كتب التراجم على تحديد سنة وفاة الأصمعيّ، فقد جاء في مراتب النحويّين أنه مات وهو يبلغ من العمر 92 سنة، وذكر السيرافي: أن الأصمعيّ توفي في البصرة سنة 213 هـ، ويُقال إنه مات في سنة 217، أو 216 هجريا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى