بأواخر القرن الـ19، تم صياغة نظرية التحليل النفسي الأولى لفرويد، لكن وقبل التطرق لأهميتها، لا بُد أن نتعرّف على ما يعنيه التحليل النفسي كمفهوم.
ما هو التحليل النفسي؟
باختصار؛ يعد التحليل النفسي منهجًا لتحليل العمليات العقلية اللاشعورية، ويتضح من خلاله علاقة الشعور واللاشعور بالعلاج النفسي، ويُنسب الفضل في تقديم هذا المنهج للعالم سيجموند فرويد، الذي طور مبادئ التحليل النفسي، إلا أنه ما زال يواجه انتقادات أكاديمية لعدم إمكانية التعامل معه كعلم قائم بذاته.
وتقوم نظرية التحليل النفسي لفرويد على أساس واضح، وهو استحضار كل ما هو مكنون داخل اللاوعي الإنساني إلى مستوى الوعي، ويحدث ذلك بطريقة بدائية جدًا، عبر التحدث لأي شخص عن رأيه في المغزى من الحياة، سؤاله حول تجاربه السابقة، خاصةً المؤلمة، والتعمُّق في التفاصيل الإنسانية التي قد تبدو للوهلة الأولى عادية.
متى وضع فرويد نظرية التحليل النفسي
بدأت نظرية فرويد في التحليل النفسي تتبلور عندما عمِل برفقة الدكتور «جوزيف بروير» على دراسة حالة المريضة «آنا أو» التي كانت تُعاني من أعراض جسدية دون أية أسباب بدنية واضحة، وهو الأمر الذي جعله يُفكر في إذا ما كان لتجاربها الحياتية السابقة دور في شعورها بالألم، حيث افترض أنه من الممكن للتجارب القمعية المؤلمة أن تؤثر في اللاوعي، بالتالي إذا ما تخلصت من الأفكار التي تُكنّها بداخلها، قد تختفي الأعراض الجسدية التي تعاني منها.
دون شكٍ، أثارت أفكار فرويد، وجعلته يصُب اهتمامًا حقيقيًا لدراسة اللاوعي البشري، وتطوير أفكاره التي نتج عنها ما عُرف لاحقًا بفرع التحليل النفسي.
نظرية التحليل النفسي
قدم سيجموند فرويد نظرية التحليل النفسي في الإرشاد والتوجيه بشكلٍ ريادي، فقد قادته أبحاثه على المرضى لتقديم مفاهيم متطورة ومعقدة لدراسة النفس والعقل البشري، حيث كان شغله الشاغل وقتئذ، منح الأشخاص القدرة على التعبير عن الأفكار والمشاعر الكامنة بداخلهم.
أثناء دراسته الدقيقة للشخصية، ومحاولاته الحثيثة للبحث عن طريقة علاجية للشفاء من الاضطرابات العقلية، توصّل فرويد لحقيقة أن الشخصية الإنسانية يمكن تقسيمها إلى 3 أقسام رئيسية وهي الأنا، الهو، والأنا العليا.
الأنا
طبقًا لأطروحة سبجموند فرويد، الأنا هي الجزء الإنساني المدفوع بمبدأ الواقعية، وتعمل الأنا بشكل كامل لخلق التوازن المرجو ما بين الهو والأنا العليا، من خلال محاولة تلبية الدوافع والرغبات الغريزية الخاصة بالهو، مع الحفاظ على الفصل بين ما هو واقعي وما بين ما هو غير واقعي من حيث المعايير التي تشحنها الأنا العليا للفرد.
الهو
يعد الهو الجانب الفطري من شخصية الإنسان، حيث تسيطر الغرائز والرغبات الفطرية، مثل الجوع أو العطش أو الرغبة الجنسية، ويعمل قسم الهو وفقًا لمبدأ اللذة قريبة المدى، بحثًا عن المتعة الخالصة، لذلك يعرّف الهو بالجزء الأكثر تهورًا من الشخصية الإنسانية، لأنها لا تحسب حسابًا لعواقب قراراتها.
الأنا العليا
تعرّف الأنا العليا على أنها الكود الأخلاقي الخاص بالإنسان، فهي عبارة عن مجموعة المبادئ والأفكار والسلوكيات السامية التي يسعى إليها الفرد المثالي، والتي تتسم بابتعادها عن الرغبات الغريزية البهائمية، بالتالي فهي المساهم الأكبر في تحلّي الإنسان بقدر من الضبط والتحكم بالنفس، والشعور بالصواب والخطأ، وتأنيب الضمير.
قبل ذلك؛ كانت نظرية التحليل النفسي لفرويد تعتمد على تقسيم سلوكيات الإنسان لحالات أقل تعقيدًا، حيث افترض بأن السلوك البشري ما هو إلا نتاج لتفاعلات بين 3 أجزاء من العقل، وهي: الوعي، وما قبل الوعي، واللاوعي.
الوعي: هو المكان -مجازًا- حيث تتضح الأفكار، المشاعر، والتركيز بشكل مباشر.
ما قبل الوعي: عُرف لاحقًا بالعقل الباطن، وهو مُستقر كل ما يمكن للفرد أن يتذكره، أو استحضاره من الماضي.
اللاوعي: وفقًا للوجهة نظر فرويد؛ اللاوعي هو أعمق مستويات العقل الإنساني، حيث تتم كل العمليات التي تقود السلوك البشري، بما فيها السلوكيات الغريزية الفطرية.
آليات الدفاع الخاصة بنظرية التحليل النفسي
يعتقد فرويد أن الإنسان يعيش داخل عقله في حالة صراع مستمرة، وهذه الحرب يشترك بها الثلاثة الأجزاء التي تشكّل شخصيته (الهو- الأنا- الأنا العليا)، بسبب الاختلافات الحقيقية بين أهداف كل منها، وحين يحتدم ذلك الصراع، تبدأ الأنا في لعب دور حائط الصد، والمدافع عن الشخصية باستخدامها لآلية دفاع أو أكثر.
ووضع العالم النمساوي قائمة تشمل آليات الدفاع التي تستخدم من قبل الأنا ولخصها في الآتي:
- القمع: محاولة الأنا إبعاد الأفكار السيئة والمندفعة خارج وعي الإنسان.
- الإنكار: حجب الأفكار والذكريات المزعجة والمؤلمة عن الوعي، بشكل يجعل الإنسان يُنكر تعرضه لهذه الذكريات.
- الإسقاط: عبر إسقاط الأفكار والمشاعر غير المرغوبة على شخص آخر.
- الإحلال: هي محاولة التنفيس عن الإحباط، عن طريق دفع المشاعر السلبية تجاه شخص بديل، بدلًا من الشخص الحقيقي.
- النكوص: هو العودة لتبني سلوكيات الماضي، كآلية دفاع قبل الانهيار، من أجل التعامل مع الضغط أو الإجهاد، مثل تعامل شخص بالغ كطفل تجاه قلقه.
تطبيقات نظرية التحليل النفسي لفرويد
تتمحور تطبيقات نظرية التحليل النفسي حول محاولة اكتشاف المرفوضات والتي تم قمعها داخل اللاوعي وتحريرها حتى تصل إلى مستوى الوعي، ومن هذه التطبيقات ما يلي:
التداعي الحر
يعد التداعي الحر أسلوبًا من أساليب العلاج النفسي، وهو عبارة عن عدد من الجلسات مع المريض، الذي يُطلب منه مشاركة أفكاره، ومشاعره، وكل ما يدور داخل رأسه، دون تدخُّل من المعالج.
وطبقًا لنظرية فرويد؛ فبهذه الطريقة يتم فحص اللاوعي الخاص بالمريض، حيث يتحول الطبيب كورقة بيضاء ينقل إليها المريض النفسي أفكاره ومخاوفه، بالتالي يتخلّص من المشاعر الكامنة بداخله، دون أي مؤثرات خارجية، لأن الطبيب يفترض ألّا يصدر أي انفعالات أو ردات فعل تجاه ما يقوله المريض، لأنه ببساطة، ورقة بيضاء.
تفسير الأحلام
منح فرويد أهمية ضخمة للأحلام، حيث إنها -من وجهة نظره- تعطي انطباعًا عما يكنّه الإنسان باللاوعي، بالتالي؛ الأحلام هي المتنفس الطبيعي لأي إنسان، لأنها توفر له احتمالية تحقيق رغباته التي تكبتها الأنا والأنا العليا أحيانًا.
في عام 1900، ناقش فرويد من خلال كتابه عن تفسير الأحلام أهميتها، من منظور مختلف، بحيث افترض أن الأحلام تسمح للأشخاص أن يتعاملوا مع المواقف دون إعطاء أهمية للوعي، أو بمعنىً أوضح، دون التقيّد بالواقع.
الانتقادات الموجهة لنظرية التحليل النفسي
طعن عدد من علماء النفس في حُجية نظرية التحليل النفسي الخاصة بفرويد، فعلى الرغم من كونه رائدًا لفرع التحليل النفسي، إلا أنه ربما قد أغفل بعض الجوانب أثناء طرحه لنظريته الخاصة.
ضيق الأفُق:
يرى المنتقدون أن فرويد كان ضيق الأفق أثناء طرحه لنظريته، حيث اقتصر تركيزه أثناء العرض على الجوانب الغريزية، وخاصةً الجنسية منها، بينما استبعد عوامل أخرى من حسبانه، كذلك أهمل بشكل واضح تأثير المجتمع والثقافة على بنية وتكوين شخصية الإنسان.
انعدام الأدلة العلمية:
تعرضت نظرية التحليل النفسي لفرويد لهجمات لاذعة لأنها افتقرت للنتائج البحثية والأدلة العلمية الدقيقة، لذلك ظل فرع التحليل النفسي برمته عالقًا بالفراغ، لا يمكن هرطقته، ولا يمكن اعتباره كعلم قائم بذاته.
الانحياز:
كانت آخر الانتقادات الموجهة للنظرية هي انحيازها للذكور، وتجاهلها للنساء.
نهاية؛ وبغض النظر عن الانتقادات، لا يمكن سوى الاعتراف بأن نظرية التحليل النفسي الخاصة بفرويد كانت النواة الحقيقية التي أقيم على أساسها مجال كامل يعرف بالتحليل النفسي، ومن ثم نشأ ما يعرف بالعلاج النفسي الحديث، الذي ساعد ملايين البشر على مدار عقود على التخلّص من أعراض لا يمكن للطب العضوي علاجها.